+A
A-

إبراهيم مطر: “اللؤلؤ” يحتاج مال قارون وصبر أيوب وقلب أسد

“اللؤلؤ” يشهد ازدهارا.. ودعوة البحرينيين إلى العودة له

عائلة مطر العريقة عملت باللؤلؤ لأكثر من 150 عامًا

الوالد باشر العمل على عِقد واحد استغرق 14 سنة

هناك طقوس وتقاليد خاصة في التعامل مع اللؤلؤ

أطمح أن تسترجع البحرين أمجادها بصناعة اللؤلؤ

اللؤلؤ الطبيعي لا يزال يحتفط بسحره وبريقه الخاص

أدخلنا اللؤلؤ في الخواتم وغيرها.. والمجوهرات بالحقائب الجلدية

 

يُجسّد تاجر اللؤلؤ إبراهيم مطر، من مواليد المحرق 1954 وصاحب شركة مطر للمجوهرات، تاريخا حافلا للعائلة التي تعد من أعرق العائلات التي عملت في تجارة اللؤلؤ واشتهرت على مستوى المنطقة على مدى عشرات السنين، حيث تواكبت معها قصة صناعة مثلت محور الحياة الاقتصادية في الخليج قبل اكتشاف النفط.

يشير مطر بفخر، إلى أنه يمثل الجيل الخامس من العائلة ممن توارث هذه المهنة أبًا عن جد منذ أكثر من 150 عامًا، ومن العائلات القليلة التي بقت محافظة على هذا الإرث العريق، إذ يفيد مطر أنه من الأقوال المشهورة بشأن اللؤلؤ، أن تجارته تحتاج إلى مال قارون وصبر أيوب وقلب أسد، مؤكدا أن تجارة اللؤلؤ لا تعتبر مهنة عادية أو كغيرها من أنواع التجارة، إذ إن هناك علاقة عشق خاصة بين التاجر وبين اللؤلؤ تجعل ممارسة هذه المهنة شغفًا أكثر منها تجارة.

ويرفض مطر في لقاء مع “البلاد” القول إن تجارة اللؤلؤ اندثرت كما يعتقد كثيرون، رغم الأفول الذي شهدته مطلع القرن الماضي مع الكساد الاقتصادي الذي واكب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقبلهما ظهور اللؤلؤ المستزرع، مشيرا إلى أن اللؤلؤ الطبيعي لا يزال يحتفظ برونقه ومكانه وأن الازدهار بدأ في البحرين مع توجه عشرات الشباب إلى البحر لاستخراج اللؤلؤ، وهو ما يفند الاعتقاد السابق بأن العقود والحلي تعود إلى لآلئ قديمة وليست مستخرجة حديثًا.

فيما يلي نص اللقاء مع مطر:

 

نشأت في عائلة عريقة في تجارة الذهب، فمتى بدأت هذه التجارة؟

والدي خليفة بن مطر أرسله جدي إبراهيم في العام 1937 للدراسة في الهند إلى جانب عمي حسين ويوسف ابن العم أحمد، ومحمد جلال، وجاسم بهزاد ضمن مجموعة، وعندما رجع الوالد عمل فترة وجيزة في مستشفى النعيم، وعمي حسين في إدارة المياه، ثم أرسلهما جدي للعمل والتدريب في مجال الغوص مع أحد النواخذة؛ ليترك الوالد الوظيفة ويمارس تجارة اللؤلؤ منذ الأربعينات.

لكن العائلة عملت في مجال تجارة اللؤلؤ لمدة تتجاوز 150 سنة، فالبداية كانت للجد حسين بن مطر في القرن التاسع عشر، بعدها تولى الجد سلمان زمام الأمر إذ كان أحد أكبر تجار اللؤلؤ والمعروفين على مستوى الخليج، وله من الأبناء 3 هم إبراهيم، أحمد وعبدالعزيز، واستمر جدي إبراهيم في مجال اللؤلؤ، وأنجب عدد من الأبناء من بينهم والدي خليفة وعمي يوسف، اللذان عملا في مجال اللؤلؤ قبل، إذ ترك عمي يوسف العمل بعد فترة بسبب إصابة في عينه، بينما واصل الوالد هذه التجارة، ثم توليت المهنة كالتزام أدبي كوني الولد الوحيد، إلى جانب حبي للؤلؤ.

 

حدثنا عن نشأتك في منزل مشبع بصناعة اللؤلؤ.

ولدت في المحرق في أبريل العام 1954، وعشت في منزل اللؤلؤ موجود فيه دائما، وكنا نشاهده يوميا حيث كان البحارة يأتون إلى منزلنا كل يوم، كما أن الوالد كان لديه سفينة تدخل للغوص حتى الستينات بحثًا عن اللؤلؤ.

وكان مع والدي أحد النواخذة المعروفين في البحرين وهو حسن بن حبل، وكان له سيط، فمنذ فترة الغوص وحتى انتهائها كان يذهب لصيد اللؤلؤ في سيلان.

كان تجار اللؤلؤ يأتون لمنزلنا بشكل مستمر، إذ يعرف الوالد بحبه اللآلئ النفيسة الجميلة النادرة مثل الدانات وغيرها، والتي كان يجمعها ليصوغ أميز وأجمل أنواع العقود.

وكان الوالد يعرف بأنه “الجيون” وهي الدرجة الأولى من اللؤلؤ، ومن غير الواضح تمامًا سبب تسمية هذه القطع بهذا الاسم ولكن ربما مشتقا من الإنجليزية من حرف “جي” ورقم واحد “ون” على اعتبار أنه صنف أول. والوالد عمل على عقد واحد استغرق نحو 14 سنوات مكوّن من 79 لؤلؤة.

 

هل الأجواء تختلف داخل منزل تاجر اللؤلؤ؟

تعودت من صغري النظر إلى اللؤلؤ ومعاينتها ومعرفة أنواعها. كنا نلمس في المنزل أن هناك طقوسا للؤلؤ، مثلا يتم “فرد” اللؤلؤ ونشره من الصباح الباكر على نور الشمس وهو الوقت المفضل لمعاينته خصوصا لفرز الألوان وغيرها، ومنذ القدم إذا كان الجو غائما أو في المساء لا يكون هناك معاملات في اللؤلؤ إلا نادرا.

ولذلك الخليج يتميز بوجود فترات مشمسة طويلة، مما شكل فرصة أفضل للعمل في اللؤلؤ مقارنة مع غيره من المناطق.

ومن الطقوس كذلك أنه في اليوم الذي يتم فيه فرد أو نشر اللؤلؤ ينبغي عدم رش العطور في المنزل، إذ كان يسود اعتقاد بأن العطور يمكن أن تكسر بعض أنواع اللؤلؤ، لذا كانت العائلة تحترس عند رش العطور في المنزل، كما يزورنا “الشكاك” والذي يقوم بنظم اللؤلؤ في عقد، بين كل فترة وأخرى، وكنا نراه يقوم بعملية “الشك”. لقد كبرنا وترعرعنا على هذه الطقوس.

 

هل هذا يعني أن تجارة اللؤلؤ تتضمن شيئا من العاطفة؟

نعم بالتأكيد، تجارة اللؤلؤ تختلف عن أي تجارة أخرى، هناك علاقة خاصة، فبعض العقود يستغرق العمل فيها ما بين 6 و10 سنوات تنشأ علاقة خاصة مع العقود.

كان الوالد يتغنى حينما يرى اللؤلؤ، وحينما يرى شيئا جميل نرى الفرحة بوجهه، ويحزن عندما يبيع عقدا جميلا.

العمل في اللؤلؤ يختلف عن أي مهنة أخرى، أولًا تشعر بفخر وثانيًا أن العوائل التي تعمل في اللؤلؤ، على مستوى العالم تعتبر قليلة معدودة على الأصابع.

 

حدثنا قليلا عن مرحلة الدراسة.

درست في المدرسة الشمالية حينها والتي تسمى الآن مدرسة عمر بن الخطاب، ثم التحقت بمدرسة الهداية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم درست سنة واحدة بالجامعة في لبنان قبل أن أنتقل للدراسة في الكويت في السبعينات في تخصص الإحصاء.

 

 

هل اتجهت مباشرة للعمل في اللؤلؤ بعد الجامعة؟

عملت في البداية في إدارة الإحصاء قبل أن تتحول إلى الجهاز المركزي للإحصاء، حيث توليت مسؤولية إدارة الإحصاء لمدة طويلة من 1977 إلى 1999.

ولكن في هذه الأثناء كنا نلتقي بتجار اللؤلؤ ونراهم يأتون إلى منزل الوالد، ونشهد كيف تتم بالمبايعات، ورغم توقف سفينة والدي عن الغوص في الستينات استمر الوالد في تجارة اللؤلؤ، إذ يقوم بالشراء من الدلالين والغواصين.

 

متى بدأت ممارسة تجارة اللؤلؤ وقيادة الجيل بعد الوالد؟

في العام 1997 توفي الوالد، وكان لابد من قيام أحد بحمل هذه الراية واستكمال المسيرة، خصوصًا أنني كنت الولد الوحيد في العائلة من بين البنات، فتقاعدت من الحكومة وفتحت مكتب في مجمع يتيم سنتر قبل أن ينضم إليّ الأبناء طلال وريم وفاتن ولبنى، كما فتحنا محل في مجمع العالي سنة 2004.

ماذا عن بداية نشاطك في “مطر للمجوهرات” التي أسستها في التسعينات، وما الجديد فيها؟

نشتري اللؤلؤ مباشرة من البحارة، ونقوم بصياغة المجوهرات والعقود، إلى جانب العمل على المجوهرات الأخرى. ربما كنا أول الجيل في العائلة الذي يدخل نشاط التجزئة والمنتجات النهائية، إذ بدأنا ننتج قطعا فريدة ومهمة. وأخذنا على عاتقنا استخدام أجود أنواع اللؤلؤ والأحجار واللؤلؤ وإدخال التصميمات الفاخرة والجديدة، وهذا ما يميزنا.

أدخلنا اللؤلؤ في الخواتم وغيرها كما أدخلنا المجوهرات على الحقائب الجلدية.

كما نقوم بدور في مجال تسويق اللؤلؤ البحريني والمجوهرات البحرينية من خلال المشاركة في المعارض العالمية. فمثلا نتشارك الآن مع متحف البحرين و “كارتيه” في المعرض المقام في المحرق “طريق اللؤلؤ”، إذ تم عرض عدد من القطع النادرة والنفيسة.

 

كيف تأثرت صناعة اللؤلؤ سلبا وما أسباب تراجعها؟

اللؤلؤ تأثر بموضوعين، الأول الكساد العالمي الذي رافق الحرب العالمية الأولى والثانية، والسبب الآخر ظهور اللؤلؤ المستزرع الذي أثر على نشاط استخراج اللؤلؤ الطبيعي وتجارته. لكن لا يزال اللؤلؤ يحمل سحرا.

 

هل ترى أن نشاط وتجارة اللؤلؤ الطبيعي تنحسر؟

لا على العكس، نرى أن هناك فرصة كبيرة أمام اللؤلؤ الطبيعي، لذا أدعو جميع الأشخاص في البحرين والذين لهم علاقة باللؤلؤ أن يعودوا إلى هذه الصناعة؛ لأن اللؤلؤ أصبح له قيمة واهتمام عالمي، خصوصا أن المملكة مشهورة باللؤلؤ الطبيعي، والبحرين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع تداول اللؤلؤ المستزرع. أعتقد أن اللؤلؤ الطبيعي له مستقبل واعد. من لديه قليل من الجرأة والمال أنصحه بالدخول في هذا القطاع بجميع مراحل تجارة اللؤلؤ.

 

أين ترى الطلب؟

الطلب  عالمي لا يقتصر على مكان، ربما مع زيادة جهود التسويق سيزداد الطلب على اللؤلؤ البحريني عالميا. ولا شك أن هناك اهتمام عالمي، نرى بالمناسبات الملكية في أوروبا جميع السيدات ترتدي عقود اللؤلؤ، وهذا دليل أنه لا يزال يكتسب قيمة وأهمية اذ يحافظ على شكله على مدى الزمن.

 

ما الذي برأيك يحتاجه الاستثمار في تجارة اللؤلؤ؟

اللؤلؤ من القطاعات التي تحتاج إلى صبر فاكتمال عقد واحد يحتاج إلى سنوات قبل أن تجد انسجاما في اللون والشكل بين قطع اللؤلؤ الطبيعي، وايضا يحتاج إلى مال قارون وصبر أيوب وقلب أسد، وكذلك يحتاج جرأة في الشراء. فمثلا حينما جلبنا المحاسبين لتنظيم العمل، لم يستطيعوا وضع نظام لحساب أو جرد المخزون.

في الفترة الأخيرة رأينا نشاطا رسميا فيما يتعلق باستخراج اللؤلؤ من خلال إصدار تراخيص الصيد للهواة والسياح، كيف تقيم أثر هذه الجهود؟

بالتأكيد نحن نقف مع هذه الجهود ولها دور كبير في قطاع اللؤلؤ البحريني، إذ تم إعطاء قرابة ألفي بحار رخصا، ونرى أن هناك كميات كبيرة دخلت السوق بفضلهم، نحن الآن نشتري كميات بشكل يومي منهم. وأما فيما يخص السياح، وتنظيم رحلات صيد اللؤلؤ لهم، أعتقد أن هذا جانب تسويق وسياحي مهم للبحرين. ولازالت البحرين غنية بالمحار.

كممثل حاليًا للجيل الخامس من العائلة في هذه المهنة، هل أنت متفائل باستمرار الاجيال في هذا النشاط؟

نعم، فالأبناء طلال وأخواته، لديهم اهتمام بمجال اللؤلؤ والمجوهرات، وأعتقد أنهم مهيأون لاستكمال هذه المسيرة، فاللؤلؤ فيه سحر وبريق يجعل ممن يعمل فيه لا يستطيع تركه.

 

ما طموح إبراهيم مطر؟

أن تسترجع البحرين أمجادها في صناعة اللؤلؤ وأن تحصل على مكانتها العالمية المطلوبة، حيث كانت مركزا للقطاع قبل أن يشهد تراجع تدريجيًا منذ العشرينات، متأثرا بالكساد والاستزراع. كان الطلب على اللؤلؤ قبل سنوات قليلة محدودًا، فالاعتقاد السائد أن اللؤلؤ الطبيعي بالسوق هو لؤلؤ قديم معاد استخدامه في قطع المجوهرات، لكن مع زيادة نشاط الاستخراج أخيرا، أدرك الناس أنه لا يزال هناك لؤلؤ جديد يستخرج من أعماق البحر.