+A
A-

محمد بوخماس يروي قصة تجارة عمرها 120 عاما

درسـت بـالهند التجارة وعلمت “العربية” فيها

السوق تشهد تخـبطــا كـبيــرا يحتاج العلاج

من أوائل البحرينيين الحاصلين على الشهادة الجامعية

رشحت لوظيفة حكومية كبرى ورفضتها لانشغالي بالتجارة

الصدق والأمانة رأس المال الحقيقي للتاجر

أحب الشعر وأهوى الاستماع لكوكب الشرق

 

عائلة بوخماس من العائلات التجارية العريقة التي لمع اسمها في البحرين منذ القدم واشتهرت بتجارتها، حيث بدأت عملها في العام 1874.

رجل الأعمال محمد بوخماس يسرد تاريخ تأسيس الشركة العائلية وتطور أعمالها في البحرين، وهو الحفيد الأكبر للجد المؤسس (رحمه الله)، والذي برع في التجارة وتخصص في بيع أغراض الصيد بأنواعها.

رجل الأعمال محمد ذواق للشعر، وعادة ما يردد بيتين يتخذهما كنصيحة في الحياة، وهما “لا تشغل البال بماضي الزمان... ولا بآتي العيش قبل الأوان، “واغنم من الحاضر لذاته... فليس في طبع الليالي الأمان”.

 

ولد ضيفنا في المحرق، وتعلم من والديه (رحمهما الله) الكثير، وهو ما ساعده لبدء حياته على الصعيدين المهني والشخصي (العائلي)، وهو ما أكسبه حب واحترام الكثيرين. يمتاز بالتواضع واللطف والدماثة، وينسب النجاح إلى العمل المشترك مع إخوته.

رغم انشغاله في العمل والتجارة، لم ينس نفسه من بعض الترفيه، فهو من محبي كوكب الشرق أم كلثوم ويعشق الاستماع لأغانيها.

بوخماس شخصية مرحة تشعرك بأنك قريب منها، وهو ما لمسناه خلال لقائنا به في مكتبه الكائن ببناية بوخماس في شارع المعارض، وفيما يلي نص اللقاء:

ولدت في منطقة المحرق، في عائلة محافظة، حيث عشنا زمنا كنا نطلق عليه زمن القناعة، فلم يكن أحد يتذمر في المأكل أو المشرب أو الملبس، على عكس ما يحدث الآن، فإن الوضع مختلف، فإذا لم يعجبهم الطعام المعد يطلبون من “الفرنشايز”.

كنا في السابق ندرس لمساعدة أهلنا ورفع شيء من الحمل عن كاهلهم، وليس لنيل الشهادة، ونقول آنذاك إن والدنا يتعب، فلندرس لمساعدته في المستقبل. والحمدلله عائلتنا كانت ولا تزال مترابطة.

والدي (رحمه الله) تعب كثيرًا في تربيتنا، وكذلك والدتي (رحمها الله) التي كان لها أثر كبير في حياتنا، فقد كنا 13 ابنًا وابنة في أيام ضنك وعسر، والأموال شحيحة. كنت الابن الأكبر، لكنني لا أميز نفسي عنهم، فالجميع تعب على نفسه في الدراسة والعمل.

امتازت أيام الصبا بالقناعة، جميلة وحلوة خصوصا فترة المدرسة (...)، يتعامل معنا المدرسون كآباء يحافظون على أبنائهم، ولذا كانت نسب النجاح كبيرة في الثانوية.

درست حتى أنهيت الثانوية العامة، حيث لم يكن هناك التوجيهي. وحصلت في الخمسينات على بعثة إلى الهند، لكن والدي رفضها. وكان يطلق آنذاك على البعثة “كرسي”، حيث كانت الدول مثل الهند وباكستان ومصر وسوريا والعراق تمنح “كراسي” للطلبة، فترسلهم الحكومة. وقد تميزت على إخواني الطلبة وحصلت على البعثة وأتيت إلى والدي فرح بالحصول على البعثة، إلا أنه رفضها؛ لأنني سأضطر للعمل في الحكومة بفترة الدراسة نفسها، وخلال هذه الفترة إذا جاء اتصال من مدير المعارف (لم يكن هناك وزيرا للتربية) أحمد العمران حتى لو في منتصف الليل بالتأكيد ستضطر للذهاب، وبالتالي فإن حياتك لن تكون ملكك.

حزنت كثيرًا، لكن والدتي التي كانت المحور في حياتي، بعد أن أخبرتها برغبتي باستكمال دراستي في الهند طلبت مني الصبر وأقنعت والدي بالأمر وأعطت والدي ما لديها من ذهب ليرسلني للدراسة في الخارج، وقد اقتنع المرحوم وذهبت إلى الهند لدراسة بكالوريوس التجارة، وكنت من أوائل الأشخاص الذي حصل على شهادات عليا في ذلك الوقت.

 

الدراسة في الهند

كانت الدراسة في الهند متعبة، حيث تكتظ القاعة بمئات الطلبة، وعندما يشرح البروفسور فإن الطالب يجب أن يتعب على نفسه ليفهم.

وقتها كان لدي صديق في الهند اسمه جاسم يدرس أحد الأساقفة في الكنيسة اللغة الفارسية؛ لأن أمه إيرانية وكان يجيدها. فسألته إذا كان البابا يريد أحد يدرسه اللغة العربية لرغبتي في اكتساب اللكنة الهندية في اللغة الإنجليزية، حيث إن اللكنة الإنجليزية في البحرين واضحة، فعرض عليه صديقي جاسم ووافق. بقيت مع الأسقف أدرسه واستفدت منه كثيرًا.

 

العمل مع العائلة

عدت من الهند بعد استكمال الدراسة وانضممت إلى متجر العائلة في المنامة.

كنت أيام الدراسة أذهب إلى المتجر في المنامة مع عمي، وكان جدي علي بن حسين هو الذي أسس المجموعة ثم بعد وفاته أخذ والدي العهدة، وقد كنا نذهب بعد العصر إلى المتاجر، البعض منا يساعد والدي في متجر المحرق والبعض الآخر يساعد عمي في المنامة، وكنت أحدهم.

بعد ذلك، انضم للعمل معي أخي علي في متجر المنامة، وظللنا على هذا الوضع لفترة، ثم ارتأى عمي فك الشراكة في الثمانينات، ووافق والدي، وقال لي إن هذا عمك والذي يريده يأخذ ولا تعارضه، فرددت عليه إن شاء الله. فككنا الشراكة مع عمي، وأخذنا غالبية البضائع من السوق. وكانت البحرين قد شهدت طفرة كبيرة في السبعينات، وبقينا نعمل في المجال نفسه.

بعد فك الشراكة، تركنا لعمي اختيار المحل الذي يريده؛ لأن لدينا محلين في المنامة، واحد في سوق المنامة القديمة، والثاني في شارع المعارض. واختار عمي المتجر في سوق المنامة القديمة.

بقيت لوحدي في محل المنامة لفترة ثم انضم إليَّ أخي علي. سار العمل على أكمل وجه، ثم بدأنا في الحصول على وكالات كثيرة، منها شركة يل وفيلتي خصوصًا في المقاولات والإنشاءات. كنا وقتها مالكين للسوق في مجال تجارتنا، وكان 3 أو 4 من الهنود الذين يعملون في المجال ذاته.

 

الغرفة التجارية

نشطت في الحياة الاجتماعية، وأصبحت عضوًا في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين لمدة 12 عامًا تقريبًا، كنت أترأس لجنة التحكيم التجاري بالغرفة، ورئيساً لمركز التحكيم التجاري الخليجي، وفي الوقت نفسه رأست مراكز اجتماعية منها مركز المحرق الاجتماعي، وهذا زاد خبرتي بمعرفة مشكلات التجار وحلها، وأكسبني خبرة بالحياة.

والإنسان يجب أن يقدم لوطنه شيئا، فنحن في البحرين درسنا مجانًا، ويتم علاجنا مجانًا، فعلى الأقل أن يقدم الإنسان لبلده شيئًا.

كيف ترى تطور القطاع وانعكاسه على البحرين؟

هناك تخبط كثير في الاقتصاد والأسواق، وهذا أمر محزن، ويفترض أن تحد وزارة التجارة من هذا التخبط. (...) التخبط في كل شيء، فمثلا نجد شارعا بأكمله لمتاجر العبايات، فهل من المعقول أن تلبس السيدات هذا الكم الهائل من العبايات؟ أو يكون شارعًا بأكمله للمطاعم والمقاهي.

في السابق لم يكن السوق بهذه الطريقة، حيث كان هناك انتقاء للشيء بعناية، على سبيل المثال كانت متاجر مخصصة لبيع الأصباغ فقط، أما نحن، فكنا نبيع كل شيء، وهذا لم يأت من فراغ، وإنما بعد دراسة.

ويرى بوخماس أن أهم شيء في التجارة الصدق والأمانة في العمل. فإذا كنت صادقًا في عملك، فإن الجميع سيأتي إليك. مع تقديم النصيحة للزبون لأخذ الغرض الذي سيستمر معه لفترة أطول.

ويضيف في السابق إذا اشترى شخصا على سبيل المثال مطرقة وانكسر مقبضها لم يكن هناك دكان (بمعنى متجر) في كل عاير (بمعنى زاوية)، وبالتالي سيخسر وقتًا ثمينًا خصوصًا إذا كان عمله يعتمد على أدوات النجارة.

ثم فتحنا فرعا مدينة عيسى الذي يديره أخي يوسف، وأضاف إلى أعمال المتجر الهدايا، والإدارة مهمة جدًا بالنسبة للعمل، وكذلك الاستشارة خصوصًا من الأكبر سنًا.

 

الأمير الراحل

ويتزين مكتب بوخماس بصورة تجمعه مع الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، يقول إن الصورة أخذت عندما كنت رئيسًا لمجلس إدارة جمعية المحرق الخيرية، حيث قدمت درع شكر لسموه.

أسس جدي (رحمه الله) مؤسسة بوخماس في العام 1874، وكان يتعامل ببيع أغراض الصيد بأنواعها، ولديه دفتر يسجل فيه موظفه من اشترى بالأجل (جدي كان كفيفا) مع تسجيل لقب لمن اشترى مثل البدوي أو (أبوغترة جتاية) أو كريم العين (بمعنى ليرى بعين واحدة) ولا تكتب الأسماء.

وأذكر أننا أخذنا الدفتر وصندوق يوضع فيه الأموال إلى الأمير الراحل لإهدائه، لكن سموه طلب منا وضعها في متحف البحرين الوطني، لأن فيه تاريخ التجارة، وبالفعل تم ذلك وهو موجود حاليًا في المتحف. ونحن نعمل في السوق منذ 120 عامًا، لكن هنالك عائلات بحرينية تعمل في السوق قبلنا، وبعض أفراد الجالية الهندية التي عملت في تقديم الأطعمة.

ويتابع ضيفنا: كانت علاقتنا مع المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان طيبة، كما أن علاقتنا مع سمو رئيس الوزراء وطيدة، ويضيف أن علاقته مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء جيدة جدًا، حيث يذكرني بالاسم عندما أتشرف بزيارته.

 

التكريمات والدروع

كثيرة التكريمات والدروع، لكن أهمها عندما كنت في مركز التحكيم التجاري الخليجي، حيث كنا نزور مراكز التحكيم التجاري في الخليج ونكرمهم ويكرمونا، (...) التكريم ليس بالدروع وإنما بالرجال، ومعرفة الناس أمر طيب، وكذلك نعرف أن لدينا عائلة في هذه الدول.

 

الفاكس” و ”التلكس”

في السابق كنا نستمع إلى إذاعات محدودة، وسمعت في إذاعة لندن عن جهاز جديد يعمل على إرسال الرسالة وتصل إلى أميركا أو مكان آخر في العالم ألا وهو الفاكس، فأخبرت أبي عنه، وبعد فترة اشتريته وركبته في مكتبي وعندما زارني تذكرت الأمر وأريته جهاز الفاكس.

كما كنت من أوائل من أضاف “التلكس”، وهي البرقية، ورغم أنه مكلف إلا أننا استفدنا منه كثيرًا في عملنا.

 

ترشيح لوظيفة كبرى

رشحت لإحدى الوظائف الكبرى، إلا أنني لم أوافق عليها، وكانت تقريبًا وزارة أو شيء من هذا القبيل، إلا أن من الصعوبة التركيز على التجارة والعمل في الوقت ذاته، خصوصًا أنني كنت من أدير العمل في التجارة، فلم أستطع تركها.

 

كيف يمكن أن تنجح الشركات العائلية وتستمر؟

يرى بوخماس أنه من الأفضل تأسيس الشركات العائلية وفقًا لأسهم، على غرار مجموعة كانو، التي تم تأسيسها على أسهم مملوكة للعائلة، وهذه الأسهم تبقى ضمن إطار العائلة ولا تخرج منها (...) مجموعة كانو وعائلة بن جلال وغيرها عوائل شركاتها العائلية وأسهمهما مملوكة في العائلة ولا تتعداها للمحافظة على الأسهم، لتبقى العائلة دون أن تتغير، (...) الشراكة لتستمر يجب أن تقوم على النية الحسنة.

ويؤكد بوخماس أهمية أن يكون الشركاء المؤسسون الأوائل على قلب واحد لاستمرارية هذه الشركة، فإذا حدثت مشكلة وفقدت الثقة في شخص ما، فإنه من المستحيل أن تعود له هذه الثقة مرة أخرى. (...) الشركات العائلية تبنى على أسس طيبة لاستمرارها.