+A
A-

المردي: الصحافة الورقية ليست تقليدية والفكر المتداول يحتاج للتغيير

ضمن فعالياتها لبرنامج الشباب البرلماني، نظمت جمعية الريادة الشبابية أخيرا ندوة حوارية بعنوان “الإعلام والرأي العام” بفندق الدبلومات، ناقش ورقتها رئيس تحرير “البلاد” مؤنس المردي، والكاتب الصحافي والمحلل بالشأن الإماراتي سلطان القاسمي، والإعلامية إيمان مرهون، وأدار الندوة الكاتب غسان الشهابي.

واحتضنت القاعة عددا كبيرا من الشباب، والمهتمين بالشأن السياسي والإعلامي، إضافة لعدد من الإعلاميين، وأعضاء السلك الدبلوماسي.

ورحب الشهابي بالحضور، مثنيًا على إقامة الجمعية الندوات النافعة والمؤثرة، قبل أن يطرح عددا من التساؤلات المهمة بشأن جدوى تأثير الإعلام العربي بالشارع، وقدرته على تغيير القناعات، وبناء فكر جديد.

وعلق القاسمي بالقول “الإعلام بالعالم العربي والخليج تحديدًا، يمر بمرحلة صعبة بمقدمتها التحديات المالية، وبظل شح الإعلانات، إذ تتوجه الكثير من الشركات اليوم لنشر إعلاناتها بحسابات شبكات التواصل الاجتماعي؛ لانتشارها الواسع وسرعة تأثيرها، ولذلك نادى جمع من الإخوة الصحافيين بالسعودية مؤخرًا، الحكومة بالتدخل لمساعدة الصحف على الاستمرار.

والتحدي الثاني هو اللغة العربية، فهناك الكثير من شبابنا لا يتحدثون العربية مع رفقائهم، ومع أقاربهم أيضًا، ويرون الحديث باللغة الإنجليزية وخلافها نوعا من التطور والتمدن. في الخليج هناك مفردات أجنبية متغلغلة بحديثنا، لكن حصر اللغة على الإنجليزية بعينها، يمثل كارثة، وهو أمر انعكس سلبًا على قراءة ومتابعة الصحف، وأن مواقع التواصل الاجتماعي تمثل تحديا للصحف من حيث المحتوى نفسه، آخرها تطوير “تويتر” بزيادة عدد أحرف الكتابة.

وعليه، فما الأسباب التي تدفع الشباب لأن يتجهوا لشبكات التواصل؟ أولها أن الصحف لا تدفع، ثانيها الرقابة بالصحف ومنع الكتابة بهذا الأمر وذاك، ثالثا حصر الكتاب بحجم المقال وعدد الكلمات، الأمر الذي يراه بعض الكتاب والمدونين نوعا من التقييد.

وأضاف القاسمي “لاحظت بالإمارات أن بعض مطبوعات الطلبة أرقى من الصحافة، منها مخرجات كلية التقنية العليا للطالبات بدبي، مجلة (فجر الصحراء)، إذ يطرحون بها أمورا تهم الإنسان، بعيدا عن المواضيع الجافة والمتداولة بالصحف، خصوصا السياسة، وعليه أدعو الكتاب لأن يركزوا على هموم المواطن”.

وفي مداخلة لإيمان مرهون قالت “من يشكل الرأي العام بالقرن الجديد أناس مجهولون يتسترون خلف شبكات التواصل الاجتماعي، والكثير من المتابعين يسيرون خلف هذه الحسابات بلا وعي أو إدراك، ومع مجهولية بعض هذه الشخصيات”.

وتابعت “فترة الميثاق والنجاح الباهر الذي تخللها، كان من أسبابه عدم وجود شبكات التواصل الاجتماعي بالتفعيل الحالي، ولو كانت موجودة حينها لصعبت الأمر كثيرًا عبر تحريف الرأي العام”.

الإشكال القائم هو بالفجوة الحاصلة بين الشباب وقادة الحملات الإعلامية، مع عظيم الأسف فإن وسائل الإعلام التقليدية لم تتطور مقابل التطور المتسارع في شبكات التواصل الاجتماعي، فأضحت وسائل الإعلام الرسمية تستقي الأخبار من شبكات التواصل الاجتماعي من دون تأكد.

وتتساءل مرهون: هل وصلنا بالسهولة بمكان لأن نكون منقادين وفقا لحسابات التواصل الاجتماعي؟

وتجيب: بكل تأكيد، علمًا أن الصحافة ربما أدركت كيف تستغل هذه الوسائل لخدمتها، عبر تسخيرها لصالحها، وإنشاء حسابات رسمية بشبكات التواصل الاجتماعي تمثل الصحيفة، وتوجهها القائم.

وبدوره، قال المردي “الرأي العام والإعلام جدلية قديمة منذ ظهور وسائل الإعلام، من يصنع الآخر؟ وفي الوقت الذي يمثل به الرأي العام الأكثرية، هذا الصوت عندما يعلو تتبناه وسائل الإعلام التي هي مدعوة لأن توصل صوته”.

وقال إن “وسائل التواصل الاجتماعي هي مجرد قنوات إعلامية تساعد على الانتشار، ومن الشواهد أن ظهور التلفزيون لم يلغ السينما، والراديو بدوره لم يلغ دور التلفزيون، ولقد أثرت الثورة المعلوماتية التي بدأت العام 1994 على الصحافة الورقية، لكنها لا تنقل عن وسائل التواصل الاجتماعي، والعكس صحيح، علمًا أن من أسهل الأمور الآن هو تزوير الأخبار وبثها بحسابات مواقع التواصل الاجتماعي”.

وفيما يخص ما يردده البعض بأن عالم الصحف يندرج تحت التقليد، والروتين، أكد المردي أن الصحافة ليست تقليدية، وإنما الفكر المتداول خلالها هو الذي يحتاج للتغيير، ومن الأمثلة، ظهور شبكة “نتفليكس” والتي غيرت من مفهوم التلفزيون، وأسهمت بنزول أسعار “الرسيفرات”، لكنها لم تلغ التلفزيون، وعليه يجب أن نغير المحتوى الورقي لتقديم فكر مغاير.

وفيما يخص الإعلان، ذكر أنه يظل سيد المواقف دائمًا، سواء بالصحافة الورقية أو وسائل الدعاية الأخرى، وهو الذي يروج للسلع، وعليه فهو المتصدر منذ ظهور وسائل الإعلام للسطح.

وأشار رئيس تحرير “البلاد” إلى أن معظم الناس الآن يستقون أخبارهم من “الواتساب”، والذي أصبح أكثر مقروئية، وبمحتواه الأخبار الصحيحة والخاطئة، فعندما تكون بصحيفة ما ومعروف هيئتها الإدارية ومن مالكها، يختلف الوضع؛ لأن هناك مؤسسة بهوية، ملزمة بتقديم الخبر الصحيح، ومحاسبة على تصحيح الأخبار المغلوطة.

بدوره تساءل الشهابي قائلا “الرأي العام لا ينتظر ما تقدمه وسائل الإعلام، اليوم الكل ينتج المادة والمحتوى القوي والضعيف، من الذي يصنع الفكر السائد للتيار الأساسي بظل هذا التشتت في صناعة المادة؟”.

ويجيب القاسمي “هناك صراع على العقل العربي، لماذا أسس جمال عبدالناصر إذاعة الصوت العربي؟ لأن المستمع العربي كان يتلقى حينها كل شيء من الخارج، وعليه انظروا اليوم كم هي الميزانيات التي تخصصها الدول الخارجية لتأسيس قنوات باللغة العربية، تركيا، أميركا، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا. لماذا هذا الشيء؟ لأن هناك صراعا على التأثير على الجماهير العربية، توجيهها بمسار معين، وعليه فالدول العربية مدعوة للمحافظة على الكتاب والمثقفين والمتنورين، وبأن تحتضنهم.

وقال الشهابي متداخلا “هناك سباق عالمي لتشكيل الرأي العام، والذي قد يفتت؛ لعدم وجود اتجاه معين ثابت، وأعني التيار الأساسي، كيف ترونه؟

وأجابت مرهون قائلة “هي عبارة عن كعكة، ووسائل الإعلام التي تمثل دولها، تحاول أن تأخذ أكبر قطعة منها، وبإعلام مزيف هدفه الأول تضليل الرأي العام، وتفتيته، وعليه، فهو نوع من الحروب الإعلامية الحديثة، والتي يباح فيها الكذب والتضليل، واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق الأهداف المرسومة، تماما كما هو الحال بالنسبة للإعلام التقليدي والخاص، والذي يستخدم أدوات معينة لاستقطاب الناس”.

ووأضافت أن “الإشكال هنا، هي حين نكون منقادين وليس قياديين، مما يدفعني للتساؤل، كيف نتحول من طرف المعادلة هذه للطرف الآخر؟”.

ورد المردي “المتلقي العربي متشتت اليوم، حول القضايا الأولوية، بظل فوضى وسائل الإعلام الراهنة، السينما العالمية أصحبت مؤثرة، ماذا قدمت السينما العربية في قبال كل ما يجري؟”.

الشهابي “هل ما يرصد للإعلام العربي كاف ليكون إعلاما مؤثرا وجذابا؟”.

مرهون “كلفة إنتاج فيلم بالانستغرام لا تذكر، كذلك باليوتيوب، في الزمن الحالي، لا حاجة لفريق متخصص لبناء رسالات إعلامية، ناهيك عن أن الرسائل الإعلامية المطولة غير مطلوبة، الموضوع لا يتعلق بالميزانيات فقط، وإنما بالفكرة نفسها. التلفزيونات الحكومية العربية على اختلافها، لكنها تتفق بأن ليس بها حارسا للبوابة، وهو ما يسعفها لأن تكون أكثر مصداقية، بالسابق في الإعلام كنا ننتقي المفردات؛ لأننا كنا نراعي الجمهور، في شبكات التواصل الآن حدث ولا حرج، خصوصا أنها تصل للدونية - أحيانا - في إيصال المعلومة، والتأثير على الجمهور. وفيما يخص موضوع نظرية المؤامرة، لدينا خوف مما وراءنا، ولا ننظر للأمام، لذلك فالخوف ليس من سيضربني بظهري، بل من سيضربني بوجهي”.

الشهابي: ما آفاق الاعلام الاجتماعي، وفتوحاته القائمة؟

القاسمي: وسائل التواصل الاجتماعي لا تؤثر على الكبار فقط بل الصغار أيضا، إذ يمتلك كثيرون منهم اليوم حسابات بها، وجميعنا نعرف قصة مؤسس فيسبوك، لشراء سناب شات، وكيف رفض مؤسسها الشاب، قائلا: أنت أكبر عمرا من أن تفهم المغزى من سناب شات؟

وهناك “بي بي سي عربي”، وما يتخللها من برامج متنوعة، كلها حوارات، وعليه فالميزانيات التي تعطى لوسائل الإعلام العربي هي لمخاطبة الرأي العام، وليس تثقيفه.

وليست جميع البرامج الحوارية ذات فائدة، لكن سياسة الحوار والاختلاف مهمة، انظر لإذاعة “مونت كارلو”، وكيف تتنوع ما بين الأغاني والبرامج الحوارية والثقافية والعلمية، وأحيي “تلفزيون أبوظبي” الذي اهتم بهذا الأمر، وأنشأ قناة “ناشيونال جيواغرافيك أبوظبي”. خلاصة القول إنه وما دام هناك جيل جديد، فهناك أشياء جديدة مقبلة.