+A
A-

المسالخ غير المرخصة.. تعايش الأمر الواقع

الجهات المعنية تتعامل مع “أقلها سوءاً” في المواسم والباقي خارج الرقابة

 

في الخامس من مايو/ أيار 2016، أغلق المسلخ التابع لشركة البحرين للمواشي، وهو الرسمي المسلخ الوحيد الذي كان يزود أسواق البحرين باللحوم الحية. ولئن جاء إغلاق المسلخ إثر انتفاء جدواه الاقتصادية بعد سبعة أشهر على إلغاء الدعم الحكومي رسمياً عن اللحوم  في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2015، فإن السؤال الذي لم يستوقف العديد منذ ذلك الحين: من أين تجلب الأسواق اللحوم الحية؟

وقبل شهرين من بدء سريان قرار الحكومة بوقف دعم اللحوم، صدر ترخيص لمسلخ خاص في قرية الهَمَلة (جنوب المنامة)في أغسطس/آب 2015. لكن ولأن إنتاج هذا المسلخ (50 رأسا يومياً) لا يغطي الطلب اليومي على اللحوم (بين 1500 و2000 رأس خارج طفرات المواسم)، ظهر نشاط جديد أطلق عليه “المسالخ غير المرخصة” أو “المسالخ العشوائية”، وفق توصيف بعض ممارسي المهنة.

لم يكن المصطلح جديداً، لكن تداوله بدأ ينتشر مذ بدأ الحديث عن رفع الدعم عن اللحوم (2015)، ومنذ ترخيص مسلخ الهملة ذاك. إذ كانت المزارع والحظائر تذبح الماشية في مقرّاتها، وتبيع اللحوم سواء لمستهلكين أفراد، منافذ بيع أو مطاعم.

وعدا مسألة التراخيص والاشتراطات القانونية، فإن المسالخ غير المرخصة تطرح مشكلة جوهرية؛ وهي مدى التزامها بالاشتراطات الصحية وتالياً مدى سلامة اللحوم الخارجة من هذه المسالخ للاستهلاك الآدمي.

 

الإطار القانوني

ليس هناك قانون خاص للمسالخ، لكن ما يتعلق بـها ومحلات الجزارة موزع على مجموعة تشريعات. هذا يعني تداخل صلاحيات جهات رقابية وعليه، فإن وضعية المسالخ غير المرخصة التي رصدها هذا التحقيق تمثل مخالفة لمجموعة من التشريعات أبرزها القانون رقم (3) لسنة 1975 بشأن الصحة العامة، الذي أدخل المسالخ ضمن تعريف “المصنع[1]” والقرار رقم (3) لسنة 1994 بشأن حظر ذبح المواشي خارج المسلخ المركزي الصادر في 29 يناير/كانون الثاني 1994؛  “وعلى الأخص الأبقار والأغنام بقصد الإتجار خارج المسلخ المركزي التابع لوزارة التجارة والزراعة”، حسب نص المادة الأولى منه. كما تخالف هذه الأوضاع، القرار رقم (16) حول تحديد الاشتراطات الصحية لنقل وتوزيع المواد الغذائية المجمدة والمبردة والقرار رقم  (1) لسنة 1998 بشأن التقويم البيئي للمشروعات[2].

 

تفاوت في تقدير عددها

ليس هناك رقم دقيق لعدد المسالخ غير المرخصة. فمدير إدارة الثروة الحيوانية بوكالة الزراعة في وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني إبراهيم يوسف، يقدر عددها بحوالي 20 مسلخاً، فيما يقدّرها مستشار الرقابة والصحة البيطرية بوكالة شؤون الزراعة أبوبكر عباس بنحو 40 مسلخاً. أما تاجر المواشي علي الفضالة فيعتقد أن عددها يقترب من 150 مسلخاً.  وعلى مدى ثمانية شهور من البحث جال خلالها في ثمانية مسالخ، وجد معد التحقيق أن غالبية هذه المسالخ تنتشر بشكل رئيس في محافظات ثلاث؛ المحرق، العاصمة والشمالية.

وتوصل أيضا إلى أن تداخل الصلاحيات بين أربع جهّات حكومية: وكالة شؤون الزراعة والثروة البحرية وشؤون البلديات بوزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني ووزارة الصحّة فضلا والمجلس الأعلى للبيئة، تحول دون تفعيل الرقابة على المسالخ المخالفة، كما أن تعقيد إجراءات الترخيص وطول مدتها يبقي هذه المسالخ خارج مظلّة أذون التشغيل الرسمية.

ومع أن وكالة شؤون الزراعة أصدرت في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 جدول اشتراطات ترخيص المسالخ، فإن نشاط المسالخ غير المرخصة استمر وزاد عددها خصوصاً بعد توقف المسلخ الرسمي الوحيد في البحرين في مايو/ أيار 2016.

ينظم جدول الاشتراطات الجوانب الهندسية في مباني المسالخ والمقاييس البيئية والصحية الواجب الالتزام بها، وكذا مقاييس النظافة التي تشمل المكان، الأدوات، العاملين واشتراطات للتخلص من مخلفات عمليات الذبح. كذلك اشتراط وجود طبيب بيطري لفحص الحيوانات قبل ذبحها، واخيرا ختم الصلاحية على الذبائح[3].

 

تحت المجهر

تعمل المسالخ غير المرخصة في مزارع  أو حظائر لتربية الماشية في مناطق عدة من المملكة، بعضها تدير حسابات ترويجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. جولاتنا الميدانية في ثمانية مسالخ غير مرخصة في قلالي (محافظة المحرق) وطشان والبرهامة (محافظة العاصمة) وعالي والهملة (المحافظة الشمالية) توثّق بالصوت والصورة حزمة حقائق، أبرزها عدم الالتزام بجدول اشتراطات وكالة الزراعة، فضلا عن مخالفة القرار رقم (3) لسنة 1994 المشار إليه آنفاً.

تمثل هذه المسالخ الثمانية، نماذج لمسالخ ناشطة، لكنها تخلو من مناوبة طبيب بيطري لفحص الحيوانات قبل الذبح، في خرق لشروط الترخيص. كما أن العاملين فيها وأغلبهم من الآسيويين لا يلتزمون بشروط النظافة الشخصية مثل ضرورة وضع قفازات وارتداء زي خاص بالعمل وغسل وتطهير اليدين. مستويات النظافة متدنية أيضا في الأماكن المخصصة لذبح الحيوانات، حيث لاحظنا أنه لا يتم تنظيف الدماء والمخلفات من أرضية المكان قبل مباشرة عملية ذبح جديدة.

تنص اشتراطات الترخيص أيضاً على ضرورة توافر 18 مرفقاً في مباني المسالخ؛ هي  ثلاثة أنواع من الحظائر وغرف للتفريغ والنظافة وأخرى لتجميع الجلود، وثالثة لتجميع رؤوس الحيوانات المذبوحة. وكذلك غرف أخرى للتقطيع والتبريد، صالة للشحن، غرف للأطباء البيطريين، مكاتب الإدارة، مختبر، مخازن، محرقة، مقصف، حمامات ودورات مياه، وحدة لمعالجة المخلفات واخيراً مغسلة السيارات وورشة صيانة. لا تتوافر أي من هذه المرافق في المسالخ الثمانية في المسالخ التي زرناها.

 

مخالفة الاشتراطات

تظهر المقارنة بين الاشتراطات الصحية الصادرة عن وكالة شؤون الزراعة، وعمل هذه المسالخ الثمانية، عدم تحقق أو استيفاء هذه المسالخ لغالبية الاشتراطات.

يشمل ذلك، ختم الذبيحة ووجود طبيب بيطري لفحصها وضمان خلوها من الأمراض، وتسجيل المسلخ رسمياً، فيما كان موقع مسالخ بالقرب من أو وسط منطقة سكنية في مخالفة، أخرى للاشتراطات.

بالمقابل، استوفت المسالخ الثمانية اشتراطات معدودة، منها وجودها في أماكن غير معرضة لتوالد الآفات، أما شرط التواجد بعيداً عن الأماكن الملوثة ومناطق النشاط الصناعي التي تؤدي إلى تلوث اللحوم، فكان متحققاً في ثلاثة مسالخ فقط.

تتواجد جميع هذه المسالخ قريباً من مراكز ومواقع تسويق الماشية، فيما كان شرط “الشكل العام للمسلخ” غير متحقق في أغلب تفاصيله. من بين ذلك الفصل بين مداخل العاملين والحيوانات ومخارج الذبائح المجهزة والمخلفات، وهو أمر غائب عن المسالخ الثمانية.

تفتقر مباني المسالخ الثمانية ايضاً لما نصت عليه الاشتراطات، من حظائر الحيوانات المجازة للذبح، حظائر لحيوانات الذبح الاضطراري، وحظائر للحيوانات غير المجازة للذبح (المعزولة).

وضمن الاشتراطات الخاصة بصحة العاملين، كانت الحاجة ضرورية للتثبت من جملة بنود، تشمل عمل كشف طبي لكل العاملين قبل استيعابهم للعمل وبصورة دورية، وأن تحمل القوى العاملة بالمسلخ شهادات صحية تدل على خلوهم من الأمراض التالية: مرض الدرن والنزلات المعوية وأمراض الجهاز التنفسي والطفيليات الداخلية والجروح المتقيحة وبقية الأمراض المتناقلة.

 

مشكوك في سلامتها

وعودة للسؤال الأهم: “سلامة اللحوم الخارجة من المسالخ غير المرخصة”؟ عرضنا أفلاماً قصيرة صورناها لعمليات ذبح في أربعة مسالخ على أطباء بيطريين وعلى مدير إدارة الثروة الحيوانية بوكالة شؤون الزراعة ابراهيم يوسف. وأجمع الخمسة على النصح بعدم تناول اللحوم الخارجة من مسالخ مثل هذه التي ظهرت في الأفلام.

فبعد أن شاهد فيديو قصير  يصور عاملاً  آسيوياً يضع سيجارة في فمه فيما يقوم بذبح عجل صغير، علّق يوسف: “لا يمكن أن تشتري من هذا، مضيفا: “الذبح في منطقة مفتوحة يحمل التلوث إليك من أي مكان، بالتالي فإن نسبة التلوث فيه بالتأكيد مرتفعة”. ثم يعلّق قائلا: “أنا أستغرب أن أحداً يشتري من هذا”. وردا على سؤاله حول ما يمكن أن يحدث لمن يتناول هذا اللحم، يرد يوسف فورا: “يتسمم، أو يمكن يكون الحيوان مريض فينتقل له المرض، وهناك أمراض كثيرة تنتقل عن طريق اللحوم”.

تجربة إضافية

ولمزيد من التحقق حول سلامة اللحوم الخارجة من هذه المسالخ وصلاحيتها، عرضت على طبيبين بيطريين (فضلا عدم ذكر اسميهما) ذبيحة حية هي خروف مستورد، اشتريتها من أحد المسالخ غير المرخصة في قلالي. حملتها معي في السيارة لمدة نصف ساعة تقريباً قبل أن التقي الطبيبين. عندما وصلت، خرج الطبيبان من مكتبهما وعاينا الذبيحة لحوالي دقيقتين قبل أن يقولا إن “الذبيحة سليمة”.

بعد يومين، عرضت عليهما فيلماً قصيراً يوثق عملية ذبح ذات الخروف الذي شاهداه ذبيحة واستنتجا بأنها سليمة. بعد مشاهدة الفيديو وتفاصيل عملية الذبح ومكانها، كان لهذين الطبيبين رأي آخر. إذ نصح كلاهما هذه المرة بعدم تناول هذا اللحم موضحين أن المعاينة التي تمت قبل يومين كانت فحصاً ظاهرياً لكن بعد مشاهدة الفيديو، فإن الأمر مختلف.

وفسر الطبيبان ذلك بأن المكان لا تنطبق عليه الشروط بسبب جدرانه المليئة بالتشققات، والتي قد تحتفظ بميكروبات يحتمل أنها انتقلت إلى لحم الذبيحة. وهذا أمر لا يمكن اكتشافه بالعين المجردة.

يوضح هذان الطبيبان أن هناك ثلاثة عناصر أساسية يجب أن تتوافر في عملية ذبح الحيوانات؛  جودة الحيوان، مكان الذبح والعمال. فالعامل يجب أن يكون خالٍ من الأمراض ويعرف كيف يذبح ويسلخ، أما المكان فيجب أن يكون نظيفاً ومعقماً ومهيئاً للذبح. وبالنسبة للحيوان، فيجب فحصه قبل الذبح وبعده.

وحسب هذين الطبيبين البيطريين، فإن هناك أمراضاً يمكن التعرف عليها قبل الذبح، لكن ذلك قد يكون غير ممكنٍ بعد الذبح خصوصا مع مرض التيتانوس والزحار[4].

أما الطبيب البيطري جعفر الإسكافي ورغم تشديده على أهمية الفحص المختبري للحوم الخارجة من المسالخ غير المرخصة، فينصح (بعد مشاهدة فيديوهات لعمليات ذبح) أسوة بزملائه ومدير إدارة الثروة الحيوانية “بعدم أكل اللحم المذبوح في هذه المسالخ” معللا  “لأن سلامتها من التلوث والميكروبات والبكتيريا غير مضمونة بسبب غياب النظافة وغياب الفحص وعدم الالتزام بالاشتراطات الصحية”.

تمثل درجات الحرارة عنصراً آخراً للقلق حول سلامة اللحوم خصوصاً مع متوسط درجة حرارة يقترب من 40 درجة مئوية في ذروة شهور الصيف في البحرين. يرى الاسكافي أنه في حال “ذبح حيوان في مسلخ تصل درجة الحرارة فيه 35 درجة مئوية واكثر فان كل أشكال المخلوقات المجهرية تنشط بشكل سريع وفعال وتتكاثر بشكل جنوني على الطبقات الخارجية للحم”.

يوضح “فيما بعد يمكن ان تنتقل هذه المجهريات (بكتيريا أو عفن أو خميرة أو طفيليات) التي تتكاثر في ثوانٍ،  إلى داخل عضلات اللحم. وبعض هذه المجهريات قد تنتج سموماً مؤذية للإنسان ولربما قاتلة” مضيفا “مع استمرار هذه الثنائية (الحرارة المرتفعة واللحم) تبدأ علامات التفسخ على اللحم وتظهر البقع وقد تخرج منها رائحة تفسخ الطبقات الخارجية للحم”.

 

من يراقب؟

غياب الالتزام بالاشتراطات الصحية، يطرح تساؤلات جدية حول الرقابة على هذه المسالخ وفعاليتها. وحسب مدير إدارة الثروة الحيوانية ابراهيم يوسف فان المسؤولية عن المسالخ موزعة على أكثر من جهّة حكومية. ويوضح أن “وزارة الصحة تختص بما ورد في قانون الصحة العامة ووزارتنا تختص بجزئية قانون مزاولة المهن ذات الصلة بالمنشآت البيطرية، البلديات لهم مسؤولية والمجلس الأعلى للبيئة أيضا”.

ويضيف “لا أعتقد أن الرقابة غائبة، اللبس القائم حول مسؤولية الرقابة سببه تعدد الجهات المسؤولة وهذه أكبر مشكلة أو معضلة، لكن الرقابة ليست غائبة”.

ويشرح يوسف بأن الجهات المعنية تتحرك للتفتيش إذا بلغها ان هناك مسلخاً او محلاً لبيع اللحوم يبيع لحوما غير مختومة. لكنه يستدرك أن “القيام بزيارات دورية منتظمة غير ممكن خصوصاً مع لجوء أصحاب هذه المسالخ إلى التحايل أضافة إلى أنهم لا يقومون بالذبح بشكل منتظم”.

 

رقابة الأسواق

لكن اللحوم الخارجة من هذه المسالخ تذهب إما لأفراد وفي الغالب تجد طريقها إلى الأسواق، ويمكن ملاحظتها في الأسواق بسهولة، لأنها غير موسومة بختم طبيب بيطري، وفق ما تقتضيه الاشتراطات.

وفي إحدى زيارتنا الميدانية لأحد المسالخ في قلالي شاهدنا العمال يحملون عشر ذبائح لتحميلها في سيارة نقل صغيرة غير مكيفة. وحين سألت أحدهم إلى أين؟ أجابوا بأنهم يذهبون بها إلى هايبر ماركت شهير (نحتفظ بالاسم). يطرح هذا سؤالاً مهماً هنا: هل تخضع الأسواق التي تستقبل اللحوم الخارجة من المسالخ غير المرخصة للرقابة وكيف ومن يقوم بذلك؟

حسب يوسف فإن “المسؤولية عن مراقبة الأسواق تقع على عاتق وزارة الصحة: “يفترض أن يكون لديهم فريق متخصص في مراقبة الأسواق، لو تحققت الرقابة على الأسواق فسنقضي على 50 % من المشكلة”.

ورغم أننا وجهنا أسئلة إلى إدارة الصحة العامة بوزارة الصحة منذ شهر مايو/ أيار  2017 للاستماع الى وجهة نظرهم وتعليقاتهم، لكن الإدارة لم ترد على أسئلتنا حتى لحظة كتابة هذا التحقيق.

تتضح الكيفية التي أثر فيها توزيع مسؤوليات الرقابة بين أكثر من جهة حكومية في مجريات ونتائج ما انتهت إليه لجنتا التحقيق اللتان شكلّهما مجلس النواب (الأولى في 3013 والثانية في 2015) في ما عرف باسم قضية “اللحوم الفاسدة” والمتعلقة أساسا باللحوم المستوردة. ذلك أنه لم يكن من السهل أن تتوصل اللجنتان إلى تحديد المسؤولية أو نوعيتها على طرف واحد[5].

 

أصحاب المسالخ

يقر محمود البقالي مالك مسلخ البقالي (في قرية طشان) بعدم وجود طبيب في مسلخه، لكنه يستدرك بالقول: “لا نذبح الحيوان إلا بعد فحصه”. ويقول “لدي خبرة أكثر من خبرة الطبيب كوني عملت في المسلخ المركزي ومن خبرتي التي تمتد 40 عاماً أستطيع التعرف على الحيوان المريض”. لكنه يعود ويعقب: “أنا جاهز ومستعد لتوفير طبيب. أما النظافة، فإن مكاني نظيف”، أنا مطمئن إلى أن اللحم الخارج من مسلخنا سليم، ومستعد لتواجد أطباء بيطريين للتثبت من ذلك”.

ومع تأكيده على رغبته في العمل بترخيص رسمي، إلا أن البقالي يشتكي من بيروقراطية نيل التراخيص: “تقدمت بطلب الحصول على ترخيص لوكالة شؤون الزراعة أكثر من مرة آخرها قبل 10 أيام..  الأمر معقد ومرتبط مع أكثر من جهة لدرجة تشعرنا بالذل وتصل إلى حد التعجيز”. ويعقب قائلا: “لو تم توحيد العمل بجهة واحدة لكان الأمر أسهل”.

إجراءات الترخيص للمسالخ الخاصة التي يشكو منها البقالي تتوزع على أكثر من جهة حكومية. تبدأ سلسلة الإجراءات بوزارة التجارة لاستخراج سجل تجاري. بعدها ترسل وزارة التجارة نسخة من الطلب إلى المجلس الأعلى للبيئة الذي يتحقق من الاشتراطات الخاصة بالمكان وفق مقتضيات القرار رقم (1) بشأن التقييم البيئي للمشروعات، وتالياً البلدية التي تتحقق بدورها من تصنيف المنطقة. ثم اخيراً وكالة شؤون الزراعة التي تتحقق من تصميم المبنى واستيفاء الاشتراطات المتعلقة به.

مسلخ البقالي الذي زرناه مرتين، يفتقر للعديد من الاشتراطات الصحية رغم إقبال الزبائن عليه. لم يكن هناك طبيب بيطري كما أن المسلخ قائم في منطقة سكنية والمكان مكتظ بالذبائح و الزبائن والعمال بسبب مساحته المحدودة. أرضيته غير مبلطة بالسيراميك والذبح يتم على أرضية متسخة وملوثة أحيانا واحياناً على قطعة من الكارتون. أما المخلفات فتلقى على باب المسلخ، حيث يتكاثر عليها الذباب.

رغم هذا فإن البقالي يقول إن العاملين التسعة لديه “قد تم فحصهم طبيا وأنهم يخضعون للفحص مجددا كل عامين”.

إلا أن علي الفضالة مالك مسلخ في قرية قلالي يضع مسألة التراخيص وحل مشكلة المسالخ في إطار آخر تماماً. وهو يعبر عن ما يشبه اليأس من حل هذه المشكلة: “إذا رخصت لواحد او اثنين او عشرة.. ماذا عن بقية المسالخ المستمرة في عملها؟”.

يملك الفضالة مسلخاً غير مرخص في قلالي، لكن وكالة شؤون الزراعة وفرّت له طبيباً بيطرياً لفحص المواشي خلال شهر رمضان الماضي. ورغم تأكيده أن اللحوم الخارجة من المسالخ غير المرخصة غير صالحة للاستهلاك، فإنه يستثني مسلخه من هذا الحكم:  “لأن مسلخنا نظيف ولا يوجد مسلخ بمستوى مسلخنا”.

ويرى أن محافظة المحرق “تخلو من مسلخ بهذا المستوى، ولأن وكالة شؤون الزراعة تدرك أن إنشاء مسلخ مرخص قد يتطلب وقتاً، راحت تتعامل مع المسالخ التي تتوافر فيها مواصفات حتى لو لم تكن مرخصة بغرض تسهيل الأمور على المواطنين، إلى حين إيجاد البديل”. ويؤكد “أن الترخيص الممنوح لي شفهي منذ ثلاث سنوات”.

تتفق مقاربة الفضالة حول الترخيص المؤقت أو توفير الطبيب البيطري لفترة مؤقتة مع ماذهب إليه مدير إدارة الثروة الحيوانية إبراهيم يوسف الذي يرد على سؤالنا حول السبب الذي يدفع الإدارة لتوفير طبيب بيطري بشكل مؤقت لمسالخ غير مرخصة: “ذلك يتم للمسالخ غير المرخصة التي هي أقل سوءاً من غيرها. يتم منحها ترخيصا مؤقتاً في مواسم محددة يكثر فيها الطلب على اللحوم”.

ووفق المستشار أبوبكر عباس، فإن عدّد المسالخ التي توفر لها الإدارة أطباء بيطريين ومراقبين يشرفون على عمليات الذبح بشكل مؤقت، لا يتعدى ثلاثة مسالخ على مستوى البحرين؛ مسلخ الفضالة، مسلخ جمعية التربية الإسلامية بالمحرق ومسلخ ثالث بمدينة الرفاع (المحافظة الجنوبية).

مالية أو خدمية؟

ورغم الإعلان عن تشكيل لجنة حكومية مشتركة لدراسة مشكلة المسالخ غير المرخصة وتصحيح أوضاعها، لا يرى الفضالة حلاً قريباً أو سهلاً: “الحل ليس بيد وكالة شؤون الزراعة”.

ويرى الفضالة إن الحل الجذري يتطلب “تخصيص ثلاث مناطق وأسواق في محافظات المحرق، الشمالية والجنوبية، على أن تشتمل كل منطقة على مسلخ مركزي وحظائر. هكذا فقط يمكن مواجهة مشكلة العشوائيات”، حسب رأيه.

أما لماذا يتأخر حل المشكلة؟ فلأن “جميع الأراضي مملوكة، فهل ستوفر الحكومة رخصاً لإنشاء حظائر على أرض قيمتها ملايين الدنانير؟”، يتساءل الفضالة.

ويخلص المستثمر في المواشي إلى أن “هذا القطاع لن ينهض، طالما أن النظر للموضوع من زاوية مادية لا خدمية، ويستحيل أن تعطى أرض قيمتها ملايين الدنانير لإنشاء مسلخ وحظائر عليها، لذا فإن المشكلة تراوح مكانها. وشؤون الزراعة وحدها لن تستطيع منع مشكلة المسالخ العشوائية”.


[4] الزحار هو مرض الدوزنتاريا (Dysentery) وهو من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.

أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) وبإشراف الزميل محمد فاضل العبيدلي