العدد 4226
الأحد 10 مايو 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
الحياة هي الحياة
الأحد 10 مايو 2020

الحياة بسيطة جدًا وسهلة لو فقط فتحنا عقولنا وقلوبنا وأدركنا أن كلّ ما يحيط بنا غالبًا من شكوى وتذمر واعتراض منبعهُ تكبير وتضخيم مظاهر صغيرة أو عوارض عابرة، صحيح أن هناك معاناة عند البعض ومشاكل لا حصر لها ولا لَوّم على هؤلاء لو اشتكوا أو تذمروا من الحياة، لكن حتى أولئك يمكنهم تجاوز تلك المعاناة لو نظروا للحياة نظرة ملهمة محتواها خذ ما تمنحك الحياة ولتبني عليه آمالك وأحلامك وتجاوز النظرة السوداء برؤية أشياء لم ترها من قبل لأنك كنت محصورًا ضمن زاوية ضيقة تعتقد أنك الوحيد الذي تكرهه الحياة وتعانده ولو بحثت عن طبيعة الحياة لوجدتها من صنعك ومن نتاج أفكارك، وقد كانت عجينة أنت من قمت بتشكيلها ورغم ذلك نظرت للحياة وكأنها كائن خرافي مستقل هبط من الفضاء الخارجي.

ما هي الحياة بظنك؟ هي مجمل أفكارك، كلّ ذكرياتك؟ مشاعرك التي تصنعها أفكارك ثم موروثك الذي فتحت عينيك عليه، إن كنت مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو بلا دين، ثم محيطك الجغرافي، تخيّل لو وُلدت في المحرق أو نيويورك أو ميلانو... أو مكة... ثم اعتقادك الذي تشكل من كلّ هذه العناصر ليشكل في النهاية الحياة... وهكذا لو فهمت هذه المعادلة بإمكانك العيش بسعادة أو على الأقل بلا معاناة حتى لو تعرضت لأي عارض مفاجئ أو عابر فإن فهمك لهذه العناصر سيقلل هذه المعاناة.

قبل فترة واجهت مجموعة حوادث صغيرة جدًا قلبت توازني ورفعت ضغطي وكدت أجن ولكن قلت لنفسي اهدأ وحاول ألا تسمع تلك الأصوات كما لو لم تكن موجودة واستعض عنها بسماع صوت الحياة بداخلك والذي يزخر بأصوات أجمل وأرقى من الأصوات التي سببت لك تلك الحالة، وحتى يدرك القارئ العزيز مصدر تلك الأصوات التي سببت هذه الحالة ألخصها له في التالي:

بالرغم من حالة حصار كورونا وفرض العزلة رغم أنني طول وقتي بيتوتي، لي جاران أسامحهما، فرضا عَليّ قسرًا سماع نباح كلبيهما ليلًا ونهارًا بالإضافة لمنظر أحدهما، ولن أذكر التفاصيل، فوق ذلك أسكن قرب المطار، ويصادف مع ذلك أن يختلط صوت الكلاب بصوت الطائرات بشجار القطط التي تهب عليها موجة عراك لا تفهم هل هو شجار أم عتاب؟ ثم يصادف بعض الليالي التي أسهر فيها حتى الفجر أن يعلو صوت مكبر الأذان على مداه ليأتي بعده بقليل صوت جلبة سيارة البلدية ترفع صناديق النفايات ليبدأ النهار بطوله مع صوت نواح الحمام على شرفات النوافذ.

هذا ملخص الضوضاء التي كنت أظن أنني سأهجر المنطقة بسببها، لكن حتى اللحظة أحاول تقبل الحياة بلطف وأتعامل معها بتفكير مفاده أننا نحن من نصنع الحياة وليست هي من تصنعنا.

 

تنويرة:

الصمت وقت الضوضاء أقوى تعبير عن الرأي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية