+A
A-

“العمل المرن”... إلى المجهول

تشرع هيئة تنظيم سوق العمل خلال الأيام المقبلة في استلام طلبات الحصول على تصاريح العمل المرن، وفق نظام جديد استحدثُ ليوفر بديلاً قانونياً للعمالة غير النظامية الـ “فري فيزا” كآلية جديدة لمكافحة هذه الظاهرة. 

و”العمل المرن” هو تصريح تصدره هيئة تنظيم سوق العمل للعامل الأجنبي لمدة سنتين، يمكّنه من العمل المؤقت لدى أي صاحب عمل أو أكثر وبأي مهنة لا تتطلب ترخيصاً احترافياً لمزاولتها.

غير أن النظام الجديد لا يمنح هذه التصاريح للعمالة الهاربة (ترك العمل)، ولا يقبل أيضا انتقال العمال من صاحب العمل الحالي ليصبح ضمن فئة العمالة المرنة، وسيقتصر على العمالة الموجودة في البحرين وتصريحها “لاغٍ” أو “غير مجدد” قبل تاريخ 20 سبتمبر 2016.

 

الخطة المرسومة 

وبحسب الخطة الموضوعة، ستصدر الهيئة تصاريح العمل المرن بمعدل 2000 تصريح شهرياً مع مراجعة القرار وتطبيقه بصورة مستمرة، فيما تشير التصريحات الرسمية لوجود عمالة سائبة تقدر بأكثر من 24 ألف عامل.  

ويتطلب النظام من العامل الحصول على بطاقة خاصة تجدد كل 6 أشهر، ويتحمل العامل على عاتقه تكلفة الترخيص وقدرها 200 دينار (تدفع كل عامين)، وكذلك كلفة الرعاية الصحية وقدرها 144 دينارا (تدفع كل عامين)، ورسم شهري قدره 30 ديناراً.

وعقب الإعلان عن النظام الجديد، سارعت غرفة تجارة وصناعة البحرين للترحيب بالمشروع، فيما التزمت باقي الجهات والأطراف الأخرى ذات العلاقة بالصمت المطبق. 

 

لا تعليق 

وتحاول “البلاد” عبر هذا التحقيق تبيان مواقف ذوي العلاقة والمتأثرين بالقرار، فيما اكتفت قيادات وزارة العمل والتنمية والاجتماعية بتوجيه “البلاد” إلى أن الجهة الرسمية المعنية بهذا القرار هي هيئة تنظيم سوق العمل؛ ولذا لا يمكننا التعليق على الموضوع.    

من جهته، حذر عضو الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال البحرين جعفر خليل من تبعات تطبيق ترخيص العمل المرن في ظل وجود شح في الوظائف المعروضة بسوق العمل.

وأكد أن نظام ترخيص العمل المرن سيؤثر من دون شك على البحرينيين الذي اتجهوا للعمل في مهن السباكة وتسليك الكهرباء والتصليحات المنزلية في ظل عدم توافر خيارات أفضل.

 

منافسة أشد 

وبحسب النقابي خليل، فإن التأثيرات المرتقبة لن تطال فقط هذه الأعمال، فقد ينافس العمال الأجانب أصحاب الترخيص المرن البحرينيين الذين يعملون في مهن كرجل أمن وسائق، وهم ليسوا بشريحة بسيطة في المجتمع.

ورفض عضو الأمانة العامة ما يطرحه البعض من تسويق للمشروع بأن هذه العمالة قائمة ومتواجدة في السوق وعلى أرض الواقع، مشيراً إلى أن العمالة غير القانونية تنافس البحريني بشكل محدود في الظلام، ولكنها ستتحول لمنافسة علنية أشد عند تطبيق المشروع. 

وقال: عندما يتوافر عمال بنظام مرن، ستستطيع المؤسسات توظيف أجانب لساعات محدودة وبتكلفة رخيصة، فلماذا تعمد إلى توظيف البحرينيين بعقود ثابتة؟ المواطنون لن يقبلوا العمل بنظام الساعة. 

 

لا دراسة 

وأردف: إن مشروع ترخيص العمل المرن أقر دون إجراء دراسة كافية، والتعامل الصحيح مع العمالة غير القانونية هو ترحليها كما يجري في جميع دول العالم.  

وتابع قائلا: إن الشخص الذي يعمل بشكل غير رسمي (الباطن) اليوم، هو عامل مخالف تجاوز القانون، فلماذا يجري مكافأته بشرعنة دوره عوضا عن تصحيح الخطأ وترحيله؟ 

وشدد عضو الأمانة العامة على ضرورة ربط أي مشروعات خاصة بسوق العمل بـ “البحرنة” كغاية إستراتيجية لا يمكن التفريط بها، مشيراً إلى أن الأنظمة السابقة حافظت على تواجد للبحرينيين في المؤسسات الكبيرة والمتوسطة.

 

المتضرر الأول 

واستطرد: إن القرارات والمشاريع الأخيرة لم تُربط بفكرة تثبيت نسب محددة للبحرينيين، وهذا ما سيصعب الواقع على المواطن في ظل ظروف اقتصادية عالمية دقيقة وتوجه متصاعد لرفع الدعم وفرض ضرائب غير مباشرة وزيادة الرسوم، وفئة ذوي الدخل المحدود هي الشريحة الأولى المتضررة. 

 

لا تشاور 

وأكد النقابي جعفر خليل أن هيئة تنظيم سوق العمل لم تشاور الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في مشروع ترخيص العمل المرن قبل تقديمه كمقترح للجنة التنسيقية الوزارية أو مجلس الوزراء تمهيداً لإقراره.

وأردف: إن المادة 5 من قانون تنظيم هيئة تنظيم سوق العمل تنص صراحة على ضرورة مشاورة جميع الأطراف المعنية، وهذا لم يتحقق، فلم نشاور نحن في اتحاد النقابات، ولم يطرح المشروع في مجلس إدارة الهيئة للتصويت عليه، ونحن جزء من هذا المجلس.  

وحذر خليل أيضا من احتمالية استغلال بعض المؤسسات للعمال الأجانب عبر نظام ترخيص العمل المرن عبر تشغيلهم لساعات أو أيام محدودة من ثم الاستغناء عنهم. 

وزاد: هنالك احتمالية لضياع حقوق العامل الأجنبي، فإذا لم يجد وظيفة ثابتة، سيضطر للعمل وفق شروط مجحفة لسداد مديونياته ودفع ما عليه من مبالغ مستحقة لهيئة تنظيم سوق العمل من رسوم ترخيص عمل وتأمين صحي وغيره.

 

ترحيب حار 

في المقابل، رحب الرئيس التنفيذي للاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين يعقوب يوسف بتنفيذ نظام تراخيص العمل المرن لمن يتواجدون في البلد اليوم كعمالة سائبة.

وقال: إن هنالك اختراقا للقانون اليوم، وظلم واستغلال عمال الـ “فري فيزا”، ولابد من محاصرة هذه الظواهر.    

وأردف: إن العمالة غير القانونية تؤثر الآن على البحرينيين الذين يشغلون مهن السباكة والنجارة، وإذا ما نفذ المشروع، سيطالبُ العامل الأجنبي بمقابل أعلى نظير عمله؛ ليتمكن من سداد رسوم الترخيص والتأمين الصحي وغيرها، وهذا ما سيزيد من تنافسية البحريني.   

 

جذاب أكثر 

ولفت إلى مطالب الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين بوضع حد أدنى لأجور البحرينيين، إلا أن هذه الجزئية لم تتحقق، وعليه فنطمح بزيادة أجور وتشغيل العامل الأجنبي، مما سيجعل المواطن أكثر جاذبية.   

وتحدث يوسف عن جهود حثيثة بذلتها المؤسسات الرسمية لمكافحة ظاهرة الـ “فري فيزا” لسنوات طويلة، ولكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة.

 

إقبال كبير

وتوقع الرئيس التنفيذي للاتحاد الحر حدوث إقبال كبير من جانب العمالة غير النظامية للتسجيل؛ من أجل الحصول على ترخيص عمل مرن، فهم يقعون اليوم في دائرة الاستغلال من جانب تجار الـ “فيزا” بحسبه. 

وبحسب يعقوب يوسف، فإن حالات ترك العمل (هروب) تشكل الآن ما نسبته 04. % من مجموع العمال في السوق ( أي أقل من 1 %)، فيما غالبية العمالة غير القانونية هم ينتمون لفئة الـ “فري فيزا”، والذين أحضرهم أصحاب أعمال (وهميون) على كفالتهم وأطلقوهم على نحو مباشر في سوق العمل.    

ودعا النقابي يوسف لعدم التخوف المبالغ من المشروع قبل تنفيذ على أرض الواقع، فنحن سنراقب ما يحصل، وعدد الرخص المقررة للمنح ليست كثيرة، ولن تضر بواقع السوق.

  

جشع واستغلال 

وشدد على أن المشروع جميل في روحه وما يتضمنه من أهداف تتمثل في تحرير العامل الأجنبي من جشع واستغلال تجار الـ “فيز”.

وأردف: دعونا لا نبالغ في الخوف من تأثير هذه الخطوة على العامل البحريني، فالعمال غير القانونيين متواجدون فعلاً، وينافسون المواطنين، وبعضهم أضحوا يملكون مؤسسات مقاولات. 

 

تكلفة تشغيلية

وشارك رئيس الجمعية البحرينية لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الاتحاد الحر تأييده للمشروع في تصريح مقتضب لـ “البلاد”، مشيراً إلى أن العامل وفق النظام الجديد سيتحمل تكلفة استخراج رخصة العمل والتأمين الصحي، والرسوم الشهرية، وبالتالي فإن التكلفة التشغيلية للمؤسسات ستنخفض. 

وأضاف: لا يوجد إخلال بتنافسية العمال البحريني، فـالنظام سيمنح الرخص لمن هم يتواجدون ويعملون فعليا من فئة الـ “فري فيزا”. 

بدوره، تساءل رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب المعرفي عن مدى فعالية استحداث هذه الآلية لجديدة في سوق صغير نسبيا ومحدود. 

 

اتصالات قلقة

وتابع: وصلتني اتصالات قلقة من مواطنين عاملين في قطاعات المقاولات والصناعة، ولديهم مواقف مناوئة للقرار لما سيحمله من تأثيرات على قدرتهم التنافسية في السوق.

وأضاف المعرفي: تمنيت لو أن هذا المشروع قد نفذ في إطار مستقل عن هيئة تنظيم سوق العمل؛ لتجنب ما اعتبره “تعارضاً في المصالح”، وأن تساهم الجهات المعنية في محاربة الإتجار بالبشر وجمعيات حقوق الإنسان في الإشراف على هذه الخطوة.

وأكد المعرفي ما تعانيه شرائح الشباب البحريني من البطالة، وما قد ينتجه النظام الجديد من سلبيات في ظل عدم وجود أي فرض لنسب البحرنة.

 

تنازل وتقاعس

وقال: إن وزارة العمل وافقت مسبقا على القبول بمبلغ مقطوع سنويا يدفع هيئة تنظيم السوق مقابل عدم تلبية صاحب العمل لشرط توظيف الحد الأدنى من البحرينيين، وها هي اليوم تتنازل مجددا وتتقاعس في دورها عن محاربة البطالة. 

وتساءل المعرفي عن كيفية ضبط عملية تواجد العمالة المستفيدة من النظام المرن في السوق وحفظ حقوقهم وكرامتهم في ظل عدم تمتعهم بعقود دائمة تضمن لهم دخل شهري ثابت؟! فهل سيلجأ العاطل منهم إلى السرقة وارتكاب ممارسات خاطئة لكسب المال؟

 

شركات مرنة 

ورأى المعرفي الحل يتمثل في إيجاد آلية واضحة للتحكم في هذا النظام كتأسيس شركات متخصصة في جلب عمال (مرنين) يمكنهم توفير ما تحتاجه المؤسسات من عمالة مؤقتة على غرار ما يجري اليوم في مكاتب استقدام العمالة المنزلية.  

ولم يغفل المعرفي الإشارة إلى ما يحمله نظام ترخيص العمل الجديد من إيجابيات تصب في إعطاء المؤسسات التجارية المزيد من المرونة في إدارة العمل، ورفد ميزانية الدولة بمبلغ يتجاوز الـ 12 مليون دينار سنوياً، غير أنه شدد على أن مجلس النواب سيراقب المشروع الجديد عن كثب، وسيفعل الأدوات الدستورية الرقابية الممنوحة له إذا ما وجد أي إخلال بتنافسية العامل البحريني أو انتهاك لحقوق العامل الأجنبي.