العدد 2162
الإثنين 15 سبتمبر 2014
banner
عبادة الفرد أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الإثنين 15 سبتمبر 2014


يبدو أننا كعرب مسلمين اكتسبنا صفة غير حسنة على مدار التاريخ تتمثل في نوع من عبادة الفرد والتسبيح بحمده ليلا ونهارا مع أن العبادة لله وحده لا شريك له، وعبادة الفرد عندنا لا تعني المعنى الحرفي للجانب الديني، ولكنها تعني سياسيا الإيمان بأنه الوحيد العالم ببواطن الأمور والوحيد القادر على فعل الأمور الصحيحة والوحيد الذي يستحق التبوء على قمة الهرم، والممنوع الاقتراب منه في اي وقت، وكأننا نعيش ايام عهود ما قبل الإسلام وأيام الحضارات البائدة التي كان الفرد فيها ممثلا للآلهة أو معينا من قبلها أو هو الإله نفسه في نظر العامة.
ما إن يصل فرد منا إلى قمة هرم السلطة حتى تتحول العلاقة معه إلى نوع من التسليم بكل ما يقول وكل ما يفعل، حتى لو كان به نوع من الجهل أو هو أقل كثيرا من الآخرين معرفة وعلما ولكنه أكثر قوة، إلا أنه يتحول بقدرة قادر عند البعض إلى العالم الفرد المحيط بكل علوم البشر صاحب الرؤية الثاقبة والقول الفصل النهائي في كل شيء، وياليت الأمور تقتصر على قمة هرم السلطة، بل هي تتجاوزها إلى أي موقع للقرار والسلطة وفي أي مستوى يكون فيه فرد ما صاحب قرار ليتحول المحيطون به إلى عباد له منافقين ساعين لشيء من نواتج تلك السلطة التي يتمتع بها ذلك الفرد يقولون شيئا وراءه وشيئا مناقضا أمامه، بل يتبرعون بالدفاع عنه.
هذا الفرد حتى لو كان إنسانا عاديا محبا للجموع راغبا في المشاركة ميالا للديمقراطية، إلا انه يتحول تدريجيا وبفعل النفاق السائد في مجتمعاتنا إلى شيء آخر مختلف، بل مناقض، لما كان عليه وبدأ به، يتحول إلى الحاكم الفرد المطلق، المحب للذات، النرجسي، الراغب في البقاء، المتصف بالغرور السياسي، وهو ما يعني أننا بارعون في صناعة الفساد والتخلف ومصرون على البقاء في أماكننا لا نتقدم ولا نتطور.
بعض مجتمعاتنا تحاول كثيرا الدخول في عصر الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم وصناعة القرار عن طريق التحولات الاجتماعية التي تمر بها أحيانا وفي ظروف معينة وبيد أفراد أو جماعات، ولكن هذه المحاولات الأولية يتم وأدها دائما بيد البعض الآخر من الأفراد الذين يتحدثون باسم الديمقراطية نفسها لتتحول وبقدرة قادر إلى نوع من الفردية في القرار والمناهضة للديمقراطية التي ربما كان ذلك الفرد يرنو إليها ويرغب فيها.
نحن أولئك الأفراد الذين نعيق أحيانا التحولات الشعبية المطلوبة بممارساتنا في الديمقراطية، نحن الذين نئد مطالبنا وغاياتنا الاجتماعية بأيدينا، ونصنع أصناما نعود بها إلى أيام الجاهلية الأولى، نحن الذين نزرع الجنوح إلى الفردية والديكتاتورية في أنظمتنا، نحن الذين نحول الكثير من القادة من شعبيين إلى فرديين، من ديمقراطيين إلى مغالين في الديكتاتورية، من راغبين في المشاركة إلى مستفردين بالقرار، ثم نعود إلى البكاء على اللبن الذي سكبناه بأيدينا.
ربما يكون السبب أننا نريد البناء من القمة وليس من القاعدة، وربما يكون السبب كذلك أننا نبقي بيننا من لا يفهم الديمقراطية والمشاركة ومن محبي الذات ونعطيهم السلطة سواء في منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب أو غيرها وهي التي تفرز الكثير في المجتمع.
مثال بسيط على ما نقول نجده في الانتخابات عندنا ونحن البلد الصغير حجما، فالانتخابات النيابية السابقة أثبتت ذلك، والانتخابات النيابية القادمة ستعزز ذلك، وتثبت ما نقول، وبعدها سنعود للطم الخدود والنقد وأحيانا التجريح، إلا أن ذلك لن يفيد ولن ينفع أولئك الذين يصفعون وجوههم بأيديهم... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية