العدد 1837
الجمعة 25 أكتوبر 2013
banner
“الجودة” هل هي عدو أم صديق؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 25 أكتوبر 2013

معنى كلمة الجودة هي أن يكون نتاج العمل بدرجة عالية من الإتقان والدقة والتميز وهو ما يرنو إليه الجميع في القطاعات المختلفة من مواقع الإنتاج، وكلمة الجودة أضحت من المصطلحات التي نسمعها ونقرأ عنها يوميا في جميع المجالات الحكومية حتى بتنا نعتقد أننا نعيش في عالم الجودة مع أن النتائج التي نراها ونشعر بها مازالت بعيدة عن ذلك المفهوم ولا تتناسب والجهد المستهلك أو المال المبذول من أجل الوصول إلى حقيقة تلك الكلمة أو ذلك المصطلح.
أحد معاني الجودة حين نرى كلمة المسؤولية على العامل المنتج والمطلوب منه الوصول إلى درجة الجودة، فإجادة العمل تقع على ذلك العامل الفرد أو المجموعة والذي يمثل جزءا من القطاع فهو قد يكون المسؤول عن إنتاج عمله على درجة عالية من الجودة وهو المسؤول في نفس الوقت عن أي تقصير قد يحدث في المنتج الذي يقوم بإخراجه، لذلك نراه يتلقى المديح والحافز حين يكون عمله على درجة عالية من الجودة وفي نفس الوقت يتلقى التأنيب والجزاء حين يكون إنتاجه أقل من المطلوب أو إنتاجا سلبيا.
ولكن على الجانب الآخر نفهم أن الإنتاج يمثل عملية متكاملة لا تعتمد في الأساس على العمل نفسه بقدر ما تعتمد إلى جانب العمل على المادة التي يراد تصنيعها أو العوامل الكثيرة المؤثرة على الإنتاج ومنها ظرف العمل نفسه وما إذا كان عاملا مساعدا على الإنتاج الجيد أم انه مؤثر سلبي في العملية الإنتاجية، ثم إن الإنتاج الجيد لا يكون وقتيا فقط أو ظاهريا ولكنه من المفترض أن يحمل صفة الديمومة وأن يكون فعليا وليس ظاهريا ولكي لا يكون الكلام جافا أو غير مفهوم يمكن أن نتطرق إلى بعض الجوانب في العمل الحكومي على الأقل لنفهم ما يراد من الكلام السابق.
لدينا ما يمكن أن نسميه هيئة الجودة التي تتابع على سبيل المثال الوحدات المدرسية المستقلة المسماة “مدارس” وتقيم عملها في جميع جوانبه ثم تعطيها درجة معينة من درجات الجودة مما دفع بتلك المدارس إلى مراعاة الشكل أكثر من المضمون والاهتمام بما يراه المراقب سواء في شكل الغرف أو مستوى نظافة المدرسة أو النظام في التعامل بين الأطراف المختلفة أو غيرها من الأمور المهمة ولكنها ليست الجانب التعليمي وما يخرج منه، بل إنه وعلى قدر ما نعرف أن المعلم لا يحظى بالقدر المناسب من الأهمية والاهتمام وهو الذي يمثل اليد العاملة المنتجة في العملية التعليمية برمتها وبدونه لا توجد عملية تعليمية من الأساس، هنا تتبادر للذهن قضيتان أساسيتان في ما يروج له من جودة أو تميز أو غير ذلك من المصطلحات.
الأولى هي اليد العاملة التي يراد لها أن تنتج المنتج الجيد وهي الجهة التي من المفترض أن تهيأ لها الظروف المناسبة للعمل الحقيقي القادر على إنتاج مادة جيدة متميزة وما نراه في المثل الذي نحن بصدده فإن هذا الاهتمام غير متوفر في الكثير من المدارس ولا نقول جميعها لأن بعض المدارس تراعي هذا الجانب ولكن الأغلب الأعم على العكس يهتم بالشكل وينسى المضمون، وما نراه واضحا أن الكثير من الموظفين العاديين من الذين لا يمكن مقارنتهم بالمعلم والمعلمة يحضون باهتمام شكلي وعملي أكثر بكثير من المعلمين في جانب تهيئة البيئة المناسبة للعمل وبجولة بسيطة على الكثير من المدارس يمكن التيقن من هذا الكلام.
الأمر الآخر هو أن الدولة تستنزف الكثير من الموارد المالية والبشرية في ما يطلق عليه الجودة أو التميز وتريد من وراء ذلك رفع مستوى المنتج المحلي ولكن ممارسة ذلك لا تتم بالصورة التي تدفع بالجهات المنتجة للتميز والإنتاج الجيد القائم على الديمومة، بمعنى أن الجهات الخاضعة للمتابعة تعلم بموعد قدوم اللجنة المسؤولة عن ذلك مقدما وتقوم بالتالي – أي تلك الجهات - بعمل كل ما يمكن ولفترة محدودة للظهور بمظهر مناسب أمام اللجنة والحصول على درجة مناسبة وكأن الغاية هي الدرجة وليس نوعية المنتج، ولكن ذلك الاهتمام لا يتسم بالاستمرار والديمومة بل هو وقتي مؤقت لذلك من المفروض أن تكون الزيارات مفاجئة وعلى مدار السنة وتهتم بالفرد المنتج وليس الحالة التي عليها المنشأة – وهي المدرسة في هذا المثال – والمادة التي تقوم بإنتاجها وهي الطالب أو الطالبة.
هذا مجرد مثال واحد نستعرضه في هذه الزاوية اليوم، والأمثلة كثيرة وتفاصيلها يمكن الحديث عنها في مقال آخر بعون الله... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .