العدد 2013
السبت 19 أبريل 2014
banner
الاستبداد وإعادة استلام السلطة زينب الدرازي
زينب الدرازي
السبت 19 أبريل 2014



بول فاليري الشاعر الفرنسي يقول: “إننا لا نزال من التاريخ في حالة الاعتبار النظري، والمراقبة المضطربة.. التاريخ يبرر ما نريد، إنه لا يعلم شيئا بدقة وحزم لأنه يشمل كل شيء، ويقدم المثل على كل شيء... التاريخ أخطر محصول أنتجته كيمياء الفكر”.
والفيلسوف ميشيل فوكو يقول: “الأمة تفهم من التاريخ ما تحبكه”.
التاريخ سيف قاطع يتقلب في يد مستخدمه حسب رغبته فإما أن يقطع ليبني أو ليهدم.. ونتساءل اليوم عن بلد المليون شهيد وهو يخوض منعطفا تاريخيا قد يأخذه للأمام في بناء الديمقراطية المنشودة وتحقيق مطالب ثورة المليون شهيد المعطلة أو سيأخذه إلى زبالة التاريخ ليكون دولة فاشلة تنضم إلى قافلة اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا.
بلد المليون شهيد هل سينضم قريبا إلى الربيع العربي، تكون بوابته الانتخابات الرئاسية التي مازال الحرس القديم يعمل بحماس منقطع النظير لإعادة ترشيح الرئيس المريض أبوتفليقة. صراع السلطة الدائم في ربوع الوطن العربي، صراع يسمى بكل التسميات الجميلة تسميات تعيشها الشعوب المتقدمة ولا نقصد أوروبا المريضة بل أوروبا الجديدة التي بدأت تأخذ الأضواء وتتصدر المقدمة في النضال عن الحقوق والديمقراطية، أوروبا الدول الاسكندينافية ومن يدور في فلكها. هذه التسميات الواعدة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، حقوق النساء، حقوق الأقليات، الحريات الدينية الى آخر هذه التسميات التي تربطها الثورات العربية بحراكها المطلبي وتربطها الأنظمة بقمعها اليومي.
كيف يستطيع رئيس غير نصوص الدستور ليستمر في صورته ان يكون ديمقراطيا، كيف يترشح رئيس للانتخابات القادمة وهو غير قادر على ملء استمارة الترشيح لمرضه، رغم تاريخه الذي استطاع خلاله تجاوز الحرب الأهلية الجزائرية. ولكن هل هناك من يستغرب هذا من حاكم عربي! لا، فمن ينتخب ليس من يحكم، بل من يحكم البطانة المستفيدة من استمراره، ولعل الوضع الجزائري الفريد هو اثبات فاقع على مدى ارتباط السياسي بالاقتصادي وأن السياسة هي في النهاية اداة بيد الاغنياء لزيادة سيطرتهم وسلطتهم لزيادة ثرائهم ونفوذهم.
لعب الصراع من اجل السلطة السياسية دورا بارزا في كل فصول التاريخ الإنساني، فالسلطة تعني القوة ونجد احدث ما كتب عن القوة في كتاب الأمير مكافيللي الذي يرى ان السلطة وسيلة للوصول للهدف أي الثروة وأداتها العسكر، وكتاب الطاغوت لتوماس هوب الذي يمثل التفكير السببي عن السلطة باعتبارها الهيمنة التي ترتكز على السيادة. والفرق بين الاثنين هو ان الأول عاش في المرحلة الاقطاعية بينما هوبز يمثل انبثاق الرأسمالية.
والدولة في الجزائر تحولت من دولة انتاج إلى دولة ريعية نتيجة تحالف الإقطاع مع الرأسمالية التابعة للاستعمار الفرنسي. وتوضح ذلك اثناء الحرب الأهلية الجزائرية الأخيرة في ابادة عوائل بكاملها للاستيلاء على اراضيها. وتثبيت سلطة الانقلاب العسكري على شرعية الانتخابات. ولكن ينسى العسكر ومن يمثلهم في السلطة السياسية ان الوصول إلى السلطة المطلقة شيء نادر الحدوث وخاص في عالم اليوم الذي اصبح اكثر وعيا بحقوقه نتيجة تشابكه وتواصله وتبادله لتجاربه الإنسانية. والمثال الحي هو خروج معارضة جادة لرفض إعادة ترشح بوتفليقة تحولت في بعض الأوقات لمعارضة عنيفة بين المعارضين والشرطة. ان ثبات الأحوال من المحال كما يقال ورغم ذلك لا تزال السلطات العربية في سعيها الدائم نحو مركزية السلطة تنسى التحولات وتنظر إلى مطالب شعوبها بعين واحدة رافضة حتى استخدام الجزرة والعصا باعتبار العصا لمن عصى أكثر فاعلية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .