العدد 2012
الجمعة 18 أبريل 2014
banner
مشكلة العقل البشري وتفسير العالم خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 18 أبريل 2014

مشكلة العقل البشري أنه يريد دوماً فهم الكون على أساس هندسي فيحاول انتشاله من الفوضى إلى النظام، ويصيغ التعقيد في قوانين، ويحول لغة الكون إلى معادلات رياضية كما فعل ذلك غاليلو.
يقول محمد كامل حسين في كتابه “وحدة المعرفة”: “في الكون نظام، وفي العقل نظام، والعلم هو المطابقة بينهما، وهو أمر ممكن ولولا ذلك لأصبحت المعرفة مستحيلة. وما يشهد لصحة الفكرة هو الإنجازات الباهرة للعلوم التي قبضت قبضة من أثر هذه القوانين فسخرتها للإنسان”.
وأمام هذه الصياغة المحكمة لفهم الكون نزع المفكرون والفلاسفة إلى محاولة اكتشاف قانون أعظم يفسر الأشياء.
وهكذا ففي الفيزياء استطاع العلماء إماطة اللثام عن خمس قوى أساسية تحكم الوجود هي الجاذبية والكهرباء والمغناطيس وقوى النواة القوية والضعيفة، ثم دمج ماكسويل في القرن التاسع عشر بين الكهرباء والمغناطيس فخرج بالقوة الكهرومغناطيسية، ثم نجح كل من عبدالسلام وفاينبرج أيضاً في دمج قوة النواة الضعيفة بها. وحاول آينشتاين خلال العشرين سنة الأخيرة من حياته أن يدمج الجاذبية مع بقية القوى بدون نجاح. وحاول ستيفن هوكنج البريطاني المشلول شللاً رباعياً أن يدمج بين أهم علمين هما النسبية وميكانيكا الكم فلم يوفق.
ويرى كثير من الفيزيائيين أن قوى الوجود مع بداية الكون كانت مدمجة في قوة واحدة “توحيدية” متفردة قبل الانفجار العظيم الذي تم قبل 13,7 مليار سنة “في أحدث المعلومات وأدقها” فولد الكون كله بكل مجراته. فقال له الله كن فكان بعد أن لم يكن شيئا مذكورا.
والتحدي اليوم هو في صياغة “موديل” موحد للكون حاوله رهط من الفيزيائيين الذين اجتمعوا في بوتسدام مع نهاية القرن العشرين بما هو أهم من اجتماع تشرشل وروزفلت وستالين لاقتسام العالم في نهاية الحرب الكونية الأخيرة حاولوا الوصول إلى هذه المعادلة السرية.
ونفس هذه المعضلة واجهت من حاول فهم قوانين التاريخ فهناك من جنح إلى “التفسير المادي للتاريخ” وهم الشيوعيون فجالوا في بيداء الوهم والغلط. وفي الثمانينات كتب جلال كشك سلسلة من خمس مقالات في مجلة “الحوادث” عن “التفسير النفطي للتاريخ”. ونقل توقعات المراقبين الدوليين بحصول مجاعة نفطية. وثبت أن اكتشاف النفط زاد والمجاعة لم تحدث، وهي تذكر بتشاؤمات مالتوس القس البريطاني الذي كتب رسالة في القرن الثامن عشر عن تزايد السكان، وأن الغذاء لن يكفيهم، والذي سيحل المشكلة هي المجاعة أو الحروب أو معاً. والذي حدث بعد ذلك أن بعض الدول أخذت تحرق فائض الغذاء من أجل الحفاظ على الأسعار، وسبحت أوروبا في فائض الزبدة فبدأت توزعها مجانا.
وهناك من كتب عن “التفسير الاقتصادي للتاريخ” وأن محركه هو المال لا غير وهو فهم الرأسمالية للتاريخ كما أظهرتها مقالة صدرت في نهاية الثمانينات لفرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ” وأن النظام الاقتصادي العالمي سيتحول إلى الشكل الليبرالي. وهناك من فسر التاريخ بدوافع الغريزة وفي كتاب “ما هو التاريخ؟” لإدوارد كار وقف أمام ظاهرة محيرة عن أثر المرأة في التاريخ سماه “قانون أنف كليوباترة” وهو أن هذه المرأة الساحرة بأنفها الجميل كادت تغير التاريخ.
وفي مجلة “در شبيجل” الألمانية قام أحد العلماء باستعراض مثير حينما أراد عكس اتجاه التاريخ فقال: لو افترضنا أن نابليون لم يظهر في التاريخ أو بسمارك أو تيمورلنك ما هي احتمالات تطور التاريخ؟ وعلى هذا المنحى مشى “برتراند راسل” في كتابه “النظرة العلمية” حينما قال إن اغتيال أو قتل بضعة رؤوس من التنوير كان سيقضي على عصور التنوير مثل غاليلو وكوبرنيكوس ودارون وديكارت.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية