العدد 2260
الإثنين 22 ديسمبر 2014
banner
بقرات النفط السمان والعجاف د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الإثنين 22 ديسمبر 2014


كلنا نعلم قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قام بتفسير حلم الملك عن سبع بقرات سمان اللواتي تلتهمهن سبع بقرات عجاف، وقام سيدنا يوسف بتفسير الحلم على أنه ستكون هناك سبع سنوات مليئة بالمحاصيل تعقبهن سبع سنين من الجفاف وقلة المحاصيل ونصح الملك بأن يقوم خلال هذه السنوات السبع المثمرة بادخار كل ما يمكن ادخاره من المحاصيل؛ تحسبا للسنوات العجاف.
ورغم أن هذه القصة عمرها آلاف السنين إلا أنها ليست بعيدة عن واقع الدول المنتجة للنفط اليوم، فمنذ اكتشاف النفط كان دوما عرضة لتقلبات كبيرة جدا في أسعاره فتارة يرتفع بشدة مدرا مداخيل خيالية على الدول المصدرة وتارة ينخفض بشدة مخلفا خسائر وركودا اقتصادي للدول المنتجة له.
وعندما حصلت الفورة الأخيرة في أسعار النفط مما أوصل سعر البرميل إلى 120 دولارا أميركيا وحققت الدول المنتجة للنفط فائضا كبيرا في مداخيلها انعكس على معدل الإنفاق العام في موازناتها، حذر الخبراء الاقتصاديين من عواقب الإسراف في الإنفاق؛ لأن هذه الفورة في الأسعار ليست ثابتة ولا دائمية وتخضع لعوامل عديدة منها العرض والطلب وإيجاد مصادر بديلة للطاقة ومنها مشروع النفط الصخري إضافة إلى النمو الاقتصادي للدول الصناعية والعوامل السياسية.
وأوصى جميع الخبراء بعدم إنفاق فائض عوائد النفط إلا في مشاريع مدرة للربح سواء صناعية أو تجارية وعدم إنفاقها على الكماليات الرفاهية والمشاريع الخدمية وتوفير كل دولار ممكن؛ لأن هذه السنين السمان ستعقبها دون شك سنين عجاف تكاد لا تغطي مداخيل النفط النفقات الأساسية للدول المنتجة للنفط.
وبما أن سقوط الأسعار أصبح واقعا لا مفر منه فإن هناك حاجة ملحة لتعديل الميزانيات لتصبح أكثر واقعية وكذلك الاتجاه نحو الانفصال التدريجي عن النفط كمصدر وحيد للدخل والاتجاه نحو التنويع الاقتصادي على الأصعدة كافة بما يضمن عدم تأثر التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتقلبات أسعار النفط فلابد من تحجيم الإنفاق غير الضروري ورفع مداخيل الدول عبر مراجعة سياسات دعم الأسعار للسلع الاستهلاكية بشكل مفتوح وزيادة الضرائب على السلع الكمالية والحد من تحويل الأموال للخارج عبر العمالة الأجنبية والاعتماد بشكل أكبر على العمالة الوطنية.
لا شك أن ميزانيات الدول النفطية ستتأثر سلبا بانخفاض الأسعار وسيكون بعض هذه التأثيرات ملموسا والآخر على الورق فقط ولكن العبرة أن رب ضارة نافعة، حيث يجب استغلال هذه الفرصة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية بشكل جذري وتفادي الأخطاء السابقة والإعداد لمرحلة جديدة لا يكون فيها النفط هو الصوت الوحيد في اقتصادات دول الخليج العربية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .