العدد 2257
الجمعة 19 ديسمبر 2014
banner
هل تفقد إسرائيل حليفها الأوروبي؟ د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الجمعة 19 ديسمبر 2014


تجري الرياح هذه الأيام في أوروبا على خلاف ما تشتهيه سفن إسرائيل تماما. فبعد اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية وتبعها في ذلك برلمان لوكسمبورغ والبرلمان الأوروبي جاء قرار محكمة العدل الأوروبية برفع منظمة حماس من لائحة التنظيمات الإرهابية؛ ليشكل صفعة مدوية على وجه إسرائيل وسياساتها العدوانية التي لا تكترث لأي قرارات دولية ومستمرة في الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفكيك كل مقومات الدولة الفلسطينية.
وعلى الرغم من مسارعة دول مثل فرنسا بالإعلان عن عدم تطبيقها لقرار المحكمة وإبقاء حماس على لائحة التنظيمات الإرهابية إلا أن الواقع ينبئ بانفصال السياسة الأوروبية التي كانت تتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى في مواقفها تجاه إسرائيل تدريجيا عن الحليف الإستراتيجي والاتجاه نحو نظرة أكثر واقعية تجاه القضية الفلسطينية خصوصا أن إسرائيل رفضت مرارا أي دور لأوروبا في محادثات السلام.
ولعل تحرر أوروبا بعد عقود من الزمن من عقدة الذنب تجاه الهولوكوست والنظر بشكل أكثر اعتدالا تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية والتي أصبحت تعادل بل تفوق جرائم النازية ضد اليهود، كان له أثر بالغ في نوع من صحوة الضمير الأوروبية تجاه مأساة الشعب الفلسطيني وإن كانت ما تزال بخطوات خجولة؛ بسبب تأثير اللوبيات الصهيونية في القارة الأوروبية.
ومن الضروري استثمار هذه المواقف كقاعدة لتشجيع المزيد من الدول والبرلمانات في دول أوروبا وغيرها لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ولذلك فإن الماكنة الدبلوماسية العربية والفلسطينية يجب أن تتحرك بكل طاقتها باتجاه انتزاع المزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية؛ حتى تصبح واقعا مفروضا على حلبة السياسة الدولية لا تستطيع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل إنكاره وبحيث تتحول القضية الفلسطينية من أراضٍ محتلة من قبل إسرائيل إلى دولة تقع تحت الاحتلال.
لا شك أن المواقف الأوروبية لبعض الدول لا تشكل القاعدة الشاملة لمواقف وسياسات الحكومات الأوروبية ذات الصلة الوثيقة بإسرائيل ومنها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا المتمسكة بأمن إسرائيل المزعوم ولا تبخل على إسرائيل بأي مساعدات في سبيل تحققه، خصوصا أن هذه الدول الثلاث تشكل الثقل الرئيس سياسيا واقتصاديا في أوروبا وأي تغيير جذري في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل يرتبط بشكل كبير بتغيير جذري في مواقف هذه الدول أو إحداها على الأقل.
ولكن هذا لا يقلل من أهمية الإنجازات الدبلوماسية الحاصلة في أوروبا والتي أدت إلى حالة هستيريا في إسرائيل وأصبحت وسائل إعلامها تهاجم أوروبا طولا وعرضا وتتحدث عن عودة المد النازي ومعاداة السامية إليها، وهو ما يدل على مدى خوف إسرائيل من فقدان عمقها الإستراتيجي في أوروبا التي تشكل سوقا رئيسا للسلع الإسرائيلية وحرصها على إيقاف موجة تأييد الدولة الفلسطينية في أوروبا بأي وسيلة كانت خصوصا عبر استعمال ورقة الضغط الأميركي عليها، وهو ما يدل على أن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني يسير بالاتجاه الصحيح.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .