العدد 2197
الإثنين 20 أكتوبر 2014
banner
هل نحنُ ديمقراطيون؟ محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الإثنين 20 أكتوبر 2014

قال تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الذائع الصيت ابّان الحرب العالمية الثانية بعد خسارته الانتخابات، “يبدو أنّ الناس رأت أنني لم أكن الرجل المناسب لإدارة السلام بعد أن نجحت في ادارة الحرب”. إنّ الديمقراطية أفضل الأسوأ، بمعنى أنّ كل أشكال الديمقراطية سيئة. والذي أردت مقاربته هنا هل نحن مجتمع ديمقراطيّ اي هل لدينا القدرة على تقبل الرأي الآخر؟ الذي ينبغي للفرد أن يدركه هو أهمية قبول الرأي المخالف والمجتمع يزخر بالآراء المتعددة.
وذات مرة قرأت لأحد الكتّاب تعبيراً رائعاً مفاده أنّ الديمقراطية كأية ظاهرة أخرى متعددة الأوجه تبعا لتعدد أحوالها وتنوع افهام المشتغلين في حقولها فهي كأية ظاهرة حمّالة وجوه يخضعها الناس للتأويل بحسب أهوائهم وتبدل أحوالهم كأنّما هي لصيقة الهوى والرغبة.
النقد يوجه غالبا الى الجهات السياسية بوصفها صاحبة القرار لكنّ هذا لا يعني ألا يوجه النقد وبنفس القدر الى بقية الجهات وبالأخص القوى الاجتماعية التي تتحمل المسؤولية الأكبر في التحولات الديمقراطية. فكثير من الأفراد ممن يرفعون شعار الديمقراطية البراقة وبالتحديد النخب من مثقفين وكتاب هم للأسف يعيشون التناقض الصارخ. فالمثال هنا أنّ كثراً منهم يتحدثون امام الآخرين بلغة تعد نموذجا للرقي والتحضر بيد أنّ هؤلاء الأشخاص ذاتهم تتحول خطاباتهم الى الضدّ في الدوائر الأضيق اي يرفضون حتى مناقشتهم في آرائهم. أليس من يرفع الديمقراطية شعارا هو أول من يمارسها في الواقع؟ وإلاّ ما جدوى التبجح بها اذا كنت غير قادر على تطبيقها؟
الديمقراطية حلقات متدرجة تبدأ من داخل البيت ومن ثمّ تأخذ طريقها الى المدرسة وبعدها تتحول الى الدائرة الأكبر وهي المجتمع بجميع مؤسساته، فاتحة المجال للرأي والرأي الآخر بكل اريحية وبلا وصاية أو إلغاء أو تضييق من اي طرف كان. فهل سأل الواحد منّا نفسه يوما ما: هل أنا أبٌ ديمقراطي؟ بمعنى هل أشارك افراد أسرتي النقاش بشكل يومي أو حتى كل أسبوع في حل المشكلات الأسرية أو مستقبل الأبناء؟ أم أنني اصادر حقهم في إبداء آرائهم وأحرمهم التمتع بالحرية في البوح بما يدور في اذهانهم؟ والأسئلة ذاتها يمكن أن يوجهها المعلمون لأنفسهم. فالمعلم كنموذج آخر بما ينهض به من مهمة عظيمة يجب ان يكون ديمقراطياً في تعامله مع طلبته بإتاحة الفرص المتساوية أمامهم بلا تمييز وألا يمارس أي شكل من اشكال القمع أو التسلط عليهم. كما يتوجب على المعلّم ألاّ يتصوّر ان بوسعه أن يصيغ منهم شخصيات مشابهة له أو لغيره بل إنّ مهمته تنحصر في اتاحة الفرص امامهم للإبداع والتفوق. بالإضافة إلى صقل مواهبهم. والخلاصة أنّ الطفل الذي يعيش في أجواء ديمقراطية داخل الأسرة ثم في الصف فإنّ بإمكانه الاندماج في المجتمع مستقبلا بلا عوائق أو تعقيدات.
إنّ السؤال الذي يتعين على كل فرد أن يسأله ايّا كان الموقع الذي يشغله والوقوف امامه هو الآتي: كيف أزعم الديمقراطية إذا كنت امارس كل اساليب القمع بمن يعترض على رأيي؟ وهذا للأسف ما اعتادت عليه قيادات في أحزاب ومؤسسات المجتمع المدنيّ، ومن عايش الأجواء التي تدار فيها هذه المؤسسات فإنه بلا شك سيدهش للأساليب غير الديمقراطية المفعلة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية