العدد 2602
الأحد 29 نوفمبر 2015
banner
الفكر المُتطرف د.علي الصايغ
د.علي الصايغ
الأحد 29 نوفمبر 2015



إن كنا نتصرف بمنطقية، فإن ذلك يستوجب علينا أن نتمعن في عظم الحدث ونبحث عن المسببات، كي نتمكن من مجابهة اتهامنا بالإرهاب كمسلمين. إنَّ النظرة إلى الإسلام بوصفه حاضنة الإرهاب، وداعماً له، ليس مُرتبطاً بحوادث معينة وحسب، وإنما تشكلت هذه النظرة نتيجة مسببات عديدة وعتيقة حتى أصبحت رأياً عاماً له حضوره وتأثيره في المجتمعات الغربية.
لا ننكر أن الفكر المُتطرف، هو في حد ذاته قصور في الفهم والتعاطي مع حقيقة العقيدة الإسلامية، كتراكمات فكرية وثقافية وتعصبية ضاربة في عمقنا التاريخي، ناهيك عن أن ديننا يشجع على التأويل والتفسير، وتمخضت عن ذلك كله عدة آراء وأفكار وتناقضات، قدر لنا أن ندفع ثمنها بين حين وآخر.
لنكن صرحاء مع أنفسنا، ولنكن أكثر واقعية إزاء الاتهامات الصارخة ضد الإسلام والمسلمين، ولنضع أيدينا على مكامن الأسباب التي شكلت هذا الرأي العام في المجتمعات الغربية. إن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، لا يختلف أبداً عما حصل في فرنسا مؤخراً؛ فالخصم واحد ــ إذا أردنا أن نلخص المعادلة ــ والمتسبب واحد. إننا أمام حقائق تجرنا إلى قناعة بأن المتسبب مسلم، والخصم هو الكافر في الطرف الآخر. ألا نجد أن هذه الحوادث تحرض على اتهامنا ونحن في الأساس لم نقترف ذنباً، بل ارتكبتها جماعات جاءت نتيجة مسببات تعصبية متراكمة كما ذكرت؟!
إن أردنا الدفاع عن أنفسنا معتبرين جدلاً أننا تحت دائرة الاتهام، فلنسأل أولاً، أنحن بحاجة حقاً إلى الدفاع عنا؟ ألا نشعر بالحرج من أن نبرر للعالم أننا بريئون براءة الذئب من دم ابن يعقوب مما تقترفه جماعات لا علم لنا كيف وأين ومتى نشأت؟ ولماذا نحن متهمون بالإسهام بنمو هذه الجماعات أو ظروف تشكلها؟! ألم يصل إلى علمهم أن عناصر الجماعات الإرهابية ــ كما هو معروف ــ لا تنتمي إلى بيئة مُحددة؟! أي أنها ليست نتاج نشأة مجتمع إسلامي بحت، بل إنها نتاج نشأة فكر متطرف.
وإن كنا في معرض دفاعنا عن أنفسنا، فإنه ينبغي أن نكون واثقين ونحن بصدد الرد على اتهامات قد نتعرض لها في شتى بقاع الأرض بعد كل حادث دام ومجزرة مؤسفة ــ لا قدر الله ــ تحدث هناك في الطرف البعيد، وألا نسمح بأن ندفع الثمن بخساً وغالياً لجرائم اقترفتها فئات صغيرة اصطبغت بلون الإسلام وسميت تجنياً باسمه.
غدت ثرواتنا تستنفد اليوم من أجل القضاء على غول هلامي، لا يمكننا بلوغ لا أوله ولا آخره. نحن في غنى عن تكبد كل تلك الخسائر، ولسنا ملزمين بأن نكرر حقيقة أننا مسالمون، لا نضمر العداء لأحد، ونكره زهق الأرواح.
إن الإرهاب لا دين له، ولا مذهب، ولا أية صفة اعتبارية. الإرهاب عبارة عن فكر منحرف متطرف شرس، لا يرضى إلا بقناعاته، ويرغب بفرض قوانينه المتناقضة، ولا يريد إلا مصالحه الذاتية، ويهدف إلى السيطرة والتسلط والفرض، باسم الدين ودون الاهتمام بمصالح الآخرين. ودور كل المجتمعات ــ حتى الغربية منها ــ  أن تؤمن مجتمعاتها من توغل الفكر المتطرف فيه، أن تهتم بشبابها وتستثمر طاقاتهم، وألا تسمح لفكر مريض كهذا بأن يغزو عقولهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .