العدد 2452
الخميس 02 يوليو 2015
banner
العمالة السائبة د. حسن العالي
د. حسن العالي
الخميس 02 يوليو 2015

تنفذ هيئة تنظيم سوق العمل هذه الأيام حملة لإنهاء ظاهرة العمالة السائبة أو ما يطلق عليها “فري فيزا”. ووفقا لتصريحات للرئيس التنفيذي للهيئة قبل عامين، فإن أعداد العمالة السائبة تصل إلى 50 ألف عامل أجنبي، أي ما يعادل تقريبا 8 % من مجموع العمالة ويزدادون بنسبة 7 % في سنويا، أي أن هذه الظاهرة لها منابع تغذيها باستمرار.
ونحن نعلم أن العامل الأجنبي لا يمكن أن يدخل البحرين دون كفيل سواء كان شركة أو فرد. لذلك فإن مفهوم العمالة السائبة قد تعني أن هناك قسما من العمالة الأجنبية الهاربة من كفلائها، لكن القسم الأكبر كما نعتقد قد تم تسريحه إما من قبل أفراد لديهم سجلات ويتقاضون على هذه العمالة أجورا شهرية أو سنوية مقابل الفيز الممنوحة لهم أو من قبل شركات تقوم بجلبهم بالمئات وربما الآلاف لتنفيذ مقاولات معينة ثم تتركهم دون إعادة تسفير أو يكونون تحت كفالاتها بصورة مستمرة، وعندما لا تحتاحهم وتسرحهم في الشوارع مقابل التخلي عن دفع رواتبهم.
وتعج الكثير من مناطق البحرين بظاهرة العمالة السائبة الذين يتجمعون في الأسواق بحثا على الرزق، وبانتظار من يأتي لكي يستأجرهم. وغالبا إذا ما تحدثت مع أحد منهم يبدأ بالشكوى من المبالغ الذي يتقاضاها كفيله منه سنويا، والتي قد تصل إلى أكثر من ألف دينار.
لذلك، من الواضح أن هذه الظاهرة لها أكثر من وجه غير حضاري وغير إنساني ومضر اقتصاديا واجتماعيا في العديد من الأصعدة. فهي في المقام تعكس جانبا غير إنساني يقوم على الاستغلال البشع لحاجة هذه العمالة للرزق، فيقوم الكفيل بالتخلي عن التزاماته تجاهها في دفع رواتبها وتقديم أبسط الخدمات لها، بل يتقاضى منها مبالغ طائلة سنويا مقابل الفيز التي يمنحها لها.
بعد ذلك، فهي ظاهرة مضرة اقتصاديا واجتماعيا. ومن الناحية الاقتصادية تعتبر العمالة السائبة عبئا كبيرا على الاقتصاد والخدمات العامة كالسكن والغذاء والصحة والكهرباء وغيره. فهي مرتفعة الاستهلاك وفي الوقت نفسه متدنية الإنتاجية، وغالبيتهم الساحقة يقومون بتعلم المهن الحرفية (كهرباء، نجارة، أعمال سمكرة، بناء، صباغة) بعد أن يتم تسريحهم في الأسواق، أي أنهم في الأصل عمالة غير ماهرة. وإذا ما اعتمدنا تقدير هيئة سوق العمل بأن العامل الأجنبي يكلف الدولة 660 دينارا شهريا (تقديرات قبل 9 سنوات) (دعم الغذاء والخدمات الأساسية وخدمات البنية التحتية)، فذلك يعني أن العمالة السائبة تكلف الدولة 33 مليون دينار سنويا دون أن يكون لها أي مردود ملموس بالنسبة للاقتصاد. بخلاف ذلك، فإن هذه العمالة تعتبر منافسا شديدا للعمالة الوطنية، وحتى أصحاب الحرف والمهن من المواطنين الذين يضطرون لدفع رسوم سجلات ومحلات تأجير وغيرها لممارسة هذه الحرف. أما في الجانب الاجتماعي، فقد بات للعمالة السائبة مجمعات سكنية في العديد من المناطق المتآخية للمجمعات السكنية للمواطنين وتفتقد أبسط معايير السكن، مما ينتج عنه مخاطر اجتماعية كثيرة بخلاف الحوادث والحرائق التي نشهدها بين فترة وأخرى.
وأخير، فإن العمالة السائبة تعكس دون شك خللا كبيرا في تطبيق التشريعات المكافحة لهذه الظاهرة، وخاصة تغليظ العقوبات على الكفلاء الذين يسرحون العمال الذين تحت كفالتهم، ويجب أن تكون المحاسبة موجهة لهذه الفئة بالدرجة الألى، ولكن ذلك لا يعفي مسئولية هيئة تنظيم سوق العمل من مسئولية تعزيز دورها ورقابتها ومتابعتها، بل وتشديد سطوتها على المتلاعبين في السوق بعيدا عن تأثيرات النفوذ والمجاملات. ولربما آن الأوان لتغيير نظام الكفالة بصورة جذرية؛ لكي يتم تجفيف منابع هذه الظاهرة الخطيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .