العدد 2455
الأحد 05 يوليو 2015
banner
الدم العربي واحد عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأحد 05 يوليو 2015

انتشر فيروس الربيع العربي من تونس إلى الأقطار العربية، وسالت إثره الدماء العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وتأثرت باقي الأقطار العربية، ولم تأت الديمقراطية التي وعد بها هذا الربيع للجماهير العربية التي هبت جنونًا في رياح الربيع العربي، وعلى إثر ذلك تم إحلال حكام ومسؤولين عرب وحكومات جاءت خلف حكومات، ولكن الجوهر الرسمي العربي لم يتغير، بقي على حاله، تحت شعار “قولوا ما تقدرون عليه، واكتبوا ما تريدون، ونحن سنعمل ما نريد”. شعار شطب الديمقراطية من العمل العربي، ودمر الشخصية العربية في جميع أقطارها.
الدم العربي يسيل على الأرض العربية، في سوريا التي لم تهتز للقتلة شعرة وهم يقتلون الشباب العربي والأمهات والأطفال، في اليمن يستمر الجنون الحوثي في الرغبة الجامحة للحصول على كرسي الحُكم للاستفراد به، في ليبيا يستمر صراع مَن يُسيطر على أكثر الولايات يَحكم بمفرده، وفي أقطار الخليج العربي يستمر سفك النفس المؤمنة وهي في وقت عبادة، غير مراعية لحُرمة المكان ولا قدسية العبادة والنفس البريئة، الجثث العربية تتناثر على مفترقات الطرق العربية وبين أحيائها والتصق ما تبقى من لحومها على جدران مساجدها.
هؤلاء القتلة لم يعرفوا قيمة الإنسان، وحُرمة المكان وقدسية النفس الإنسانية، لم يعرفوا قيمة الدم العربي الذي أصبح رخيصًا لا قيمة له عندهم، فما الفرق بين هؤلاء وبين الدواعش؟ اختلفوا قليلاً في الهدف واتفقوا على الوسيلة، ويصبح المذبوحون المُذنبين كونهم عرضوا أنفسهم للقتل أمام هؤلاء المتعطشين لسفك الدماء. هذا هو النتاج الديمقراطي والحقوقي لما سُمي بالربيع العربي، سفك الدماء وتقطيع أواصر الناس بعد أواصر أجسادهم، وجعلهم شعوبًا متناحرة بين “الإخوان” القتلة، وسنة وشيعة اختصموا على خلافات الماضي وصراعات لا دخل لنا نحن الآن بها، وعشائر وقبائل تسلحت وتدججت بالسلاح لتقاتل بعضها، فرق متناحرة ساهمت في تراجعنا مسافات لن نستطيع أن نقربها لنقترب ثانية، وعمقت الهوة بيننا، ولم تجعل لنا فرصة ولو برهة للتفكير والعودة ثانية إلى التفكير بحلم الوحدة العربية والحرية، فرق عادت مع سبق الإصرار والترصد إلى العصر الحجري بأفعالها الجاهلية وفتاوى شيوخها المُضللة، وبما ينقلونه من الكتب السابقة بغير النظر إلى تغير الأوضاع والأحوال، فيعطون لأنفسهم شرعية الوصاية على الدم العربي، فيبيحون لأنفسهم ذبح أبنائهم وآبائهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقاربهم بفتوى ظالمة وجاهلة. وكيف يذهب هؤلاء إلى فراشهم الدافئ عندما تسيل دماء الناس في الشوارع والمساجد والمآتم؟ وكيف يتنعمون برفاهية سياراتهم ومنازلهم؟ وكيف لا.. ومع كل قتل لنفسٍ بريئة تزيد حساباتهم المصرفية؟ وتتسع أملاكهم غير الشرعية؟
لا يزال اليوم الدم العربي يسيل وإلى الغد وبعده، لا فرق بين الدم السوري والمصري واليمني والكويتي، الليبي والفلسطيني، فالدم العربي واحد. في عام 1973م قال الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”، إلا أن بورصة الربيع العربي جعلت من الدم العربي في أسفل قائمة السلع، الإنسان العربي يتمنى التضحية بنفسه من أجل بلاده ليعيش شعبه بعز وكبرياء وحرية وعيش كريم، العربي البحريني يتضامن مع أخيه الكويتي، والسعودي مع أخيه المصري، وجميع أبناء الأمة العربية يتضامنون مع بعضهم، جميعهم ضد الإرهاب والإرهابيين، فالدماء العربية التي تسفك في مصر وسوريا واليمن وليبيا والكويت ليست رخيصة بل هي غالية وأغلى كثيرًا من النفط العربي، فالإرهاب الغاشم يستهدفنا ويستهدف أقطارنا العربية وسيادتها وثرواتها ومقدراتها، ويكفي أن يشعر المواطن العربي أينما كان بالألم عندما تهان أية بقعة عربية أو عندما تسقط بقعة دم عربية، ويتألم كثيرًا عندما يسمع صرخة كل طفل عربي أو يرى امرأة عربية تسبى، وعندما يُشاهد شيخا عجوزا يستغيث ولا يجد من يُغيثه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .