العدد 2414
الإثنين 25 مايو 2015
banner
كُلنا القطيف عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الإثنين 25 مايو 2015

إن ما حدث في مسجد القديح لأمرٌ مؤلم، وحادث له تبعات أخرى، ولا نشك في أن هذا الحادث وحوادث التفجيرات السابقة التي حدثت في ذات المنطقة من تدبير أيدِ إقليمية ناقمة وحاقدة، أيد لا تبتغي الخير لمنطقتنا، حادث يُحقق مرامُها، ألا وهي الفتنة، حادث راح ضحيته مواطنون أبرياء أثناء الصلاة، أيدٍ ليس لقلوبها أية مشاعر إنسانية ولا تنتمي إلى أية عقيدة إيمانية. في مسجد الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” وفي وقت صلاة كان لقاء الشيطان بأهل الإيمان، فجر الإرهابي نفسه في وسط المصلين الذين في صلاتهم خاشعون.
هذا الحادث الأليم والدماء الطاهرة التي سالت من الأجساد خطر على البلاد، هؤلاء الإرهابيون خطر يتهدد المملكة العربية السعودية مثلما يتهدد كل قطر عربي وشعبه، يجتث الاستقرار والأمن، يقضي على وحدة الأمة ونسيجها المجتمعي.
 في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها منطقة الخليج العربي هاجس الخوف لا يفارقنا، فالعدو يعد علينا سكناتنا، ويُقلق دائمًا راحتنا، بالأمس القريب حدثت تفجيرات وقبلها بأيام تم اكتشاف عملية نقل للأسلحة واكتشاف خليات تابعة لأيدي لا تمت للإنسانية ولا للديانات السماوية.
 هذه الكوارث والمصائب لن ننجو منها إلا بالعمل المشترك المتأهب لكل واردة وشاردة من هؤلاء ومَن يسير خلفهم. إن العمل الأمني الوطني والقومي المشترك بين أقطار الخليج العربي والأقطار العربية يعمل سريعًا على إزالة كل كارثة إرهابية، ويُجفف منابع الإرهاب. علينا أن نتحد، فاتحادنا قوة، علينا أن نتفق، فاتفاقنا سد منيع لا يخرقه الإرهاب وأزلامه.
 إن تفرقنا وتشتتنا واختلافنا وتناقضاتنا يغذي ذلك الإرهاب الذي يشعل نار الفرقة بيننا، ويُحرمنا من الاستفادة من قوتنا، علينا أن نجعل من هذه الدعوة الصادقة (اتفاقنا واتحادنا) طريقًا لمستقبلنا، فهي تستحق منا كل عناية واهتمام.
يخطئ مَن يقول بأن الإرهاب خطر على دولة دون أخرى، فالإرهاب بؤرة نشطة لا تفرق بين دولة وأخرى، ولا بين إنسان وآخر، فهو يتمدد على الأرض ليقتل كل نفس ساكنة وغير ساكنة، فهو خطر على الجميع، من إنسان وأرض وكائنات، ولا يستثني أحدًا من الوجود، خطر يدفعنا إلى مجهول مُظلم ومتاهات لا نعرف لها مُستقر.
 الإرهاب المادي يقتلنا، والإرهاب الفكري يزرع فينا الشكوك والتفرقة، يُثير النعرات بيننا، يُحيي الأحقاد بين أفراد شعبنا، سياسة ممنهجة ظالمة تغذيها أطراف إقليمية، جعلت من بعض أبنائنا حقلاً لتبذر فيه بذرها المُر، ليحصد حنظلاً، من بين هؤلاء المُغرر بهم ينثر بذوره القاتلة ليخلق البيئة الحاضنة ليكونوا وقود هذه النار التي لا تبقى ولا تذر، علينا أن ندرك ما تبقى من هؤلاء لنطفئ نار المعتدين، ولمنع تنفيذ ما تبقى من مخططات العدو التي لا تنتهي إلا بانتهائنا.
إن ما حدث في مسجد القديح بالقطيف يَمسنا نحن أيضًا، ونحن معنيون بهذا الحادث أيضًا، لكوننا مستهدفين من ذات العدو، وحتى وإن كانت الأجهزة الأمنية في أقطار الخليج العربي قد حققت وتحقق النجاحات المتوالية ضد الإرهاب وعناصره إلا إننا وفي هذا الظرف العصيب نحتاج إلى ضربات استباقية ضده، ومواقف سيادية تحمي شعبنا العربي وسيادتنا وهويتنا التي توجعها تلك الكوارث الإرهابية. ولن تتوقف عجلة الإرهاب فجرائمه مستمرة ومتوالية التي سيروح ضحيتها العشرات من الأبرياء من أبناء منطقتنا الخليجية والعربية، لن تتوقف جرائم الأعداء وسعيهم لإدخال المنطقة في دوامة العنف الطائفي، الذي تنفذه روحًا خائنة وعقلاً مغسولاً بدماء الأبرياء، وبعمل من صنيعة روح مُشبعة بالكراهية لتحول الحياة كلها إلى عبث أسود تُحوِل ما حولنا إلى ركام، هؤلاء شعارهم “أما أن تسبح معهم في تيارهم أو تغرق”، ونحن إذا استسلمنا إلى دعوات الكراهية غرقنا، وإذا سكتنا عن طوفانهم سيجرفنا الطوفان المرعب من حيث لا نعلم.
عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرًا لكم، لعل هذا الحادث الأليم رسالة خيرة لشعبنا في المملكة العربية السعودية ولأقطارنا العربية كافة، علينا أن نستيقظ جميعًا قبل أن يجرفنا الطوفان ونكون من الهالكين، علينا ألا نردد العبارات الطائفية والعنصرية والشتائم الإرهابية بسبب الاختلاف في المعتقد أو المذهب، أو بسبب تباين وجهات النظر، ذلك يضرنا ولا ينفعنا، فلننظر إلى الوضع في العراق وسوريا وليبيا واليمن كيف كانوا بالأمس وأين أصبحوا اليوم، كانت شوارع بلادهم مزدحمة بشعبهم، منازلهم آمنة، مؤسساتهم قائمة، لم يتخيلوا أبدًا بأن شوارع مُدنهم سوف تتحول إلى مسارح للقتل، ولا أن تسقط عليهم القذائف في وسط منازلهم، ولم تعد لدى دولهم مؤسسات لتحميهم، لقد وقعوا في فخ الكراهية، وفي دوامة العنف ولم يعد بإمكانهم العودة إلى تلك اللحظة الآمنة التي أصبحت بعيدة وعزيزة المنال.
لقد فجعنا بمصاب القطيف، إنا لله وإنا إليه راجعون، كلنا إخوة وكلنا أبناء بلاد واحدة، تجمعنا قيادة واحدة ونعيش تحت ظل عَلًم واحد، كلنا القطيف.. هي منا ونحن منها، ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل بلطفه الشهداء ويشفي الجرحى، ويُجبر مصاب أسرهم، وأن يحمي البلاد والعباد من الأعداء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية