العدد 2931
الأحد 23 أكتوبر 2016
banner
الاستثمار في الثقافة أحمد جمعة
أحمد جمعة
الأحد 23 أكتوبر 2016

إنتاج مواطن سعيد في بلد سعيد يتطلب إنتاج ثقافة رصينة ذات بعد وطني يستثمر فيها الإنسان، وليس الاكتفاء بالاستيراد، وكأن البلد مجرد “سوبرماركت” يتم حشوها بمكونات سلعية مستوردة من مسرح وموسيقى وكتاب وفكر وشعر ورواية وكل السلع المنتجة في الخارج، وعزل النتاج المحلي الذي لن يزدهر ولن يتفوق مادامت “السوبرماركت” ترفض المنتج المحلي، كالتجارة والصناعة، حينما تتقلص فرصة ترويجها في الأسواق المحلية لا تعود لها أية مكانة فتفلس وتغلق أبوابها، وهذا هو حال الثقافة حينما لا تجد لها أهلا، فتعوم على اليابسة من غير هدى إلا في المواسم وعند الصدف.
أستغرب حينما يدور الحديث عن الثقافة في الكثير من الأوقات عندنا، ولا أجد الأبواب التي تعزز هذا الحديث ولا الفرص التي تصنع الثقافة الوطنية، فوجود أدباء وكتاب وموسيقيين وعروض من الخارج لا يعني أن المناخ ثقافي، وإلا وجدنا بنغلاديش أكبر من فرنسا في عالم السينما، لأن عدد دور السينما في بنغلاديش يفوق عددها في فرنسا بعشرات، ليس الأمر بالأعداد ولا بالاستيراد للمنتج الخارجي، وإن كان ذلك مطلوباً وفعالاً للتواصل الحضاري، ولكن لابد من دعم المنتج المحلي الذي هو بالأساس محل صناعة الإنسان العصري البعيد عن التعصب والتطرف، فالثقافة الحصن الذي يقي من الفوضى والعلاج الناجع للتعصب، انظر للشعوب التي تغرف من الموسيقى والمسرح والسينما والشعر والرواية والرقص، وانظر لحال الشعوب التي تُحرم هذا المنتج لتجد الفرق بينها.
من يرى الكون من الخارج ومن يراه أبعد من قدميه هو الفرق بين من يصنع الحياة ويؤثر في الكون وبين من ينتهي به المطاف عند حائط بيته، كيف يكون الأمر بين من يرى ومن لا يرى؟ كيف نصنع الإنسان المثقف صاحب الصوت المعتدل ونزيح صاحب الصوت العالي المتطرف؟ إلا بالثقافة، فالثقافة موحدة الشعوب وملهمتها.
أمور كثيرة في هذا البلد أعجز عن فهمها وبدأت أشك في سلامة الوضع، إذ لا توجد سياسة ترجح العقل ولا توجد سياسة ترجح الفهم الذي يتطلبه الوضع الذي مررنا به لأكثر من خمسة أعوام، وتحملناه ومازالت آثاره سائدة وكل ما يجري هو ما ينطبق عليه القول، “نرى رحى ولا نرى دقيقا”! اسمحوا لي إن قلبت المثل هذه المرة، فكل شيء مقلوب ابتداء من العقل مروراً بالحسابات وانتهاء بالفهم الذي صعب إدراك مضمونه في هذا الوقت بالذات الذي نرى فيه السفينة تبحر فوق الرمال بدلاً من المياه، فقد أصبحت البحرين كالفيلم السينمائي الخيالي.
لابد أن نعيش اليوم ضمن خطة واضحة المعالم من أركانها وجود ثقافة تهتم بالمنتج المحلي ولا تغلب المستورد، وإلا لن نكون سوى سوبرماركت عصري يعج بالسلع المستوردة من الخارج مهما كان جمالها ومستواها إلا أنها مستوردة، لابد  من خطة تدل الإنسان البحريني على كيفية التفكير وتمنحه ما يسمى بخارطة الطريق التي توفر عليه الكثير من الشقاء، ولكننا اليوم لم نفلح للأسف الشديد الا في إنتاج المكونات السياسية والصناديق الخيرية والخطابات الدينية السياسية و”العيارة” التي ارتفع رصيدها عاما بعد عام، وكأن الإنسان تحول لآلة تنتج السفسطة بدلاً من الاستثمار في الثقافة التي هي كنز الأمم.

تنويرة
الحياة كالسفينة الشراعية، إن فهمت دورك فيها كبحار ستصل بك ميناء السلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية