العدد 2879
الخميس 01 سبتمبر 2016
banner
“سلوك الشعوب التعبانة” غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 01 سبتمبر 2016

تختلف أجهزة دول العالم في الكثير من الأمور، سواء منها السياسات الاقتصادية، أو أساليب التعليم ومناهجه، وتختلف في سياساتها الداخلية، ولا تتشابه في أنظمتها التشابه الكبير، ولكن – سبحان الله – تجدها تتشابه أشدّ التشابه في أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات، فما تسمع عنه من ممارسات في بلدان تعد متأخرة في حقوق الإنسان، تصعقك الأخبار التي تشير إلى تصرفات شبيهة تقوم بها أجهزة في دول متقدمة.
وربما أكثر الأساليب نجاعة لدى هذه الأجهزة، التعذيب بالإنهاك، فلا ضرب، ولا علامات على الجسد، ولا إزعاج، فقط أنهكه، احرمه من النوم، وستراه يخرج عن وقاره، وهيئته التي رسمها سنين أمام المجتمع، يكون الإنهاك قد سرى في جميع أنحاء جسده، والعقل بدأ في التنميل، لا يكاد يميز شيئاً، يثقل الرأس ويتهدهد،  وربما يتوسل لكي تعطيه اعترافات بما لم يفعل، ليوقّعها ويحظى بساعة نوم عميق يتمنى ألا يصحو منه حتى لا يواجه الإنهاك المميت ثانية.
إذا صدق وصفي لهذا النوع من التعذيب، فإن الكثير من الشعوب العربية جرى إنهاكها من مؤسساتها وأنظمتها المتعاقبة، فكلما دخل إليها نظام لعن أخاه، وبدأ  السرقة لملء خزائنه الفارغة أساسا، ولا خزائن أمام الجشع قابلة للامتلاء، وهذا ما يجعل الأنظمة الاستبدادية تتفنن في إذلال هذه الشعوب لئلا تفكر بشكل سويّ كما تفكر أكثر شعوب الأرض، تنسى الكثير من المتع في الحياة، والكماليات والجماليات وما يزيّن أيامها، ولا تركز إلا على ما يجعلها تعيش وحسب.
إنهاكٌ يجعل الشعوب عاطلة عن التفكير في الغد، فهي بالكاد ترى من خلال زغللة عينيها، وامّحاء حواسّها، وبالكاد تشعر أنها محرومة من الحياة الطبيعية والنوم الطبيعي، فهي تريد السلامة على أبعد تقدير، والارتماء أرضاً لتنام كيفما اتفق، بفراش أم من دونه لا يهم.
سلوك الشعوب التعبانة، والتي “حالتها حالة” يبدأ من شكلها العام، فالشخص المتعب ترى ثيابه وقد آذاها الإهمال، وصار منظره العام مقززا ويدعو إلى الشفقة، الشعر المنكوش والوجه الذي استسلمت عضلاته للجاذبية الأرضية. هكذا الشعب التعبان اليوم تراه في أفلام الأمس، وحفلات “الست” وقد تأنّق وبدا لائقاً للظهور أمام العامة. ترى هذا الشعب نفسه اليوم في الصور القديمة عندما كان موفور الكرامة، وقد ارتدى الناس فيه بدلات كاملة بربطات العنق وهم يتفرجون على مباراة لكرة القدم. أما وقد تعب هذا الشعب وذاك، فلم يعد من المهم الالتفات إلى هذه الثانويات من الحياة. تراه في الأسواق يمشي بملابس النوم، وخبأت السيدة تحت عباءتها أردأ لباس البيت، فلا شيء يهم في زمن يقبل التردّي في المستويات المعيشية والأخلاقية والثقافية، “والقادم أخطر”.
إذا ما افتقد الإنسان إحساسه بالجودة في جميع ما يخصه وما يحيط به، سيكون من الصعب عليه أن يدرك في أي دَرَك من الانحدار وصل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية