العدد 2456
الإثنين 06 يوليو 2015
banner
صلاة الحاضر... بعد شهر غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 06 يوليو 2015

قبل شهر، تحديداً يوم الخميس الموافق 4 يونيو 2015، كتبت هنا مقالاً تحت عنوان «صلاة الحاضر»، وذلك تعليقاً على ما قيل إنه صلاة مشتركة بين الشيعة والسنة في المملكة العربية السعودية، رداً رمزياً على من أراد إيقاع الفتنة الطائفية بين الفريقين بإحداث التفجيرات المعروفة. وبعد شهر تقريباً تحدث هذه الصلاة حقيقة في البحرين (الجمعة 3 يوليو 2015) في جامع عالي، في حدث فريد تحت رعاية رسمية بحضور بعض الوزراء وعدد من أفراد الطائفة السنية الكريمة، وإن قيل إنهم ليسوا بالكثرة التي تصنع نوعاً من التوازن في الحضور، ولكنها... حدثت في نهاية المطاف، وعلينا أن نقرأ هذا الحدث ما أمكننا من الزوايا.
وأكرر مجدداً تحيزي المفضوح الذي لا أخجل منه لكل ما يمكن أن يقرّب بين الناس من قول أو عمل، ويصرف طاقاتهم للإنتاج والإبداع والإنجاز، ودفع بلادهم درجات ودرجات على سلم التقدم العالمي، بدلاً من صرف مجهودات أناس اعتقدنا أنهم على مستوى عال من الثقافة والترفع لنجدهم يلغون في إناء الطائفية النتن؛ أقول وبالرغم من هذا التحيّز، فإنني أكرر أن الصلوات المشتركة ليست حلاً وإنما هي واجهات وديكورات، مع الاحترام التام للمنظمين والمتحمسين لها.
لماذا الآن تأتي هذه الصلوات المشتركة؟ هل لأن أحد حمقى «داعش» توعّد أن يكون التفجير في الجمعة الماضية في البحرين؟ نعم إنه تهديد خطير ومعلن، ولكن هل أعلن «داعش» من ذي قبل أنه سيفجر في المملكة العربية السعودية أو دولة الكويت؟ فإنه إن يفعلها سيكون ذلك في أي مكان وأي وقت ومن حيث لا يعلم الناس، لا مكّنهم الله تعالى من ذلك. وفي أيّة دور عبادة يمكن أن يقع هذا الحدث الخطير؟ وما استعداداتنا للتعامل معه في كل الأحوال؟ وما الخطابات والبرامج التي أعدتها الجهات الرسمية لتجنب وقوع الحدث، وإذا ما وقع – لا قدّر الله – ما الخطط النفسية والاجتماعية والوطنية لتطويقه وحصره بدلاً من أن تكون له انعكاسات خطيرة تنداح دوائرها في البحيرة الوطنية؟ لدينا التقاءات كبرى في المدارس والجامعات والمعاهد والأندية الرياضية والأنشطة الثقافية، فما التيار المدروس الذي يراد له أن يسري ليبث الروح الوطنية الحقة، وليس التيار البهرجي الذي ما عاد له أثر، ولا يقنع حتى غلمانا في بدايات أعمارهم؟! هذا إن كانت هناك رؤية واضحة لكلمة واضحة المعالم، تتناسب مع معطيات هذا العصر، ولا تأخذنا إلى مجاهل قرون وعقود مضت.. منصة يقف عليها الجميع ويستشعرون بالتماهي مع وطنهم، باختصار، أعيد وأكرر: ما ملامح المشروع الوطني الذي تحمله الدولة القادر على تجنيب أبناء البلاد الانزلاق إلى مهاوي الضياع للكهوف الفاغرة أفواهها لتلقي هذه اللحوم الطرية التي تتعيش عليها، وبها تكبر وتتوحش.
السؤال نفسه ينطبق على الجهات الأهلية، بالجمعيات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، النقابات والجمعيات المهنية، وجميع من يعتبر تكتلاً، صغيراً كان أم كبيراً، الجمعيات السياسية التي تنقسم كلاسيكياً بين موالاة ومعارضة، نسائلهم: ماذا أعددتم لهذا التحدي؟ المزيد من التشظي والتلاوم وتوزيع صكوك الاتهامات والغفران على الطريقة التي تجري بها المسألة في الوطن العربي منذ أن عرف الحراك السياسي؟ لقد شهدنا جميعاً تعرض الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ساعتها لم يتحدث الناس عن جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين ولا أدريين، بل كان الجميع أميركا. البحرين اليوم تتعرض لضغط هائل، سواء من الأنظمة أو من الجماعات الإرهابية، فما البرامج التي أعدها الذين ينتقدون الأداء الحكومي ليلا ونهارا، فهذا ليس وقت الشماتة وإنما وقت التسامي على الخلافات ومواجهة التحديات والتهديدات بشكل علمي ممنهج، ولا تترك الساحة خلوا من موقف وطني جامع ومتعالٍ عن الأهداف الفئوية الضيقة، المسألة ليست سياسية، بل هي أيضاً نفسية واجتماعية وثقافية، وهي أعمال وأسواق وفرص متساوية وتعليم عال وتدريب وإتقان، باختصار: هي قيم العدالة التي لابد من التشدد في ممارستها على المستويين الرسمي والأهلي ليشعر كل مقيم على هذه الأرض، مواطناً كان أم ساكناً، أنه مستند إلى العدل الذي لا يرى سوى الحق فيتبعه، بصرف النظر عمّن يستفيد منه. إن إطلاق بيان «جبر خاطر» أو «رفع عتب» بعد الحوادث الكبيرة على المستوى الوطني أو ما وراء الوطني، لا يعني انتهاء الدور، ومسح عرق الجبين، بأن هذه المؤسسة أو تلك أدانت ونددت وشجبت، لأن هذا يستوي تماماً مع «قلق» الأمين العام للأمم المتحدة الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يوقف حرباً، ويصد عدواناً، ولا يرجع حقوقاً ولا ينتصف لمظلوم، بل هناك أدوار أكثر فاعلية وذكاء من بيان يُكتب في ساعة ويضمحل أثره بعد خمس دقائق، إن كان له أثر.
الدعوة المتكررة هنا ليست لإقامة مؤتمر، وتبادل أوراق عمل في معاني الوطنية، يحضره المهتمون الذين هم أحرص الناس على الوحدة الوطنية، ومن ثم ينفضون، بينما المقصودون من هذا كله في معزل عن التأثر والتفاعل. وليس لتبادل الصلوات تلك الجمعة في مسجد شيعي، والجمعة التالية في مسجد سني، ويلوح الجميع لبعضهم بابتسامة تعني: كل كارثة ونحن بخير. لأن الالتحام يجب أن يكون نابعاً من أقاصي القلوب، والعمل به يكون يومياً ومن دون تفكير، أو تردد، أو إدخال هذه الأفعال في حسابات «واحدة لك.. واحدة لي»، لأننا سنكون في النهاية مهووسين بالتكرار وكم مرة صبت القضية في هذه الكفة وكم مرة في تلك، وسنقف لبعضنا البعض وهذا ما سيزيد الشقة ولن يرتقها حيث سيظل تعبير «هم» و»نحن» الأكثر طفواً على سطح المسعى المراد له أن يكون وطنياً.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .