العدد 2197
الإثنين 20 أكتوبر 2014
banner
مجلس المستقلين أم مجلس الجمعيات؟ غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 20 أكتوبر 2014

كيف لنا أن نفهم حجم المستقلين في الانتخابات النيابية والبلدية القادمة؟ هذا هو السؤال الذي تبادر إلى ذهني حينما طالعت تغطيات صحف يوم السبت الماضي وهي تستعرض الذين تقدموا بطلبات الترشح، والحجم الكبير جداً من المستقلين (226) مقابل أفراد من هنا وهناك في حضور خجول للجمعيات السياسية المشاركة في الانتخابات.
معلوم أن بعض الجمعيات لها من التكتيكات ما يجعلها تختار اليوم الأخير لتدفع بمرشحيها وذلك بعد أن يخلو لهم المكان حتى لا يخوضوا مع الخائضين، وبعضهم يرى ويقيس ويعيد حساباته ليرى إن كان من المصلحة أن “ينزل” أم لا، ولا يزال في الوقت متسع وفسحة قبل كشف الأوراق من قبل هذه الجمعيات. وبعض الجمعيات ربما تجري مشاورات ومباحثات اللحظة الأخيرة في الأخذ والرد مع الجمعيات الأخرى، وربما الأفراد أيضاً، من أجل تنسيق المواقف، وللتنسيق الكثير من المعاني. ولهذه الأسباب، وقد يكون هناك ما خفي من أسباب، لا يزال (حتى فجر يوم الأحد حيث تجري كتابة هذا المقال) الموقف “الجمعيّاتي” غير بارز وصارخ وصريح، وعدد المترشحين المستقلين لا يزال الأكبر. لماذا؟
المعروف في عدد كبير من الدول التي تمارس فيها السياسة بشكل منظم، وتجري فيها انتخابات، أن الأحزاب السياسية (وتقابلها في البحرين جمعيات سياسية) هي التي تتصدى وتتصدر المشهد، وذلك لعدد من الأسباب من أهمها أن الحزب أو الجمعية السياسية لديها – في الغالب – برنامج واضح من مجمل القضايا، ومنها القضايا السياسية، والقانونية، والاجتماعية، والاقتصادية... الخ، وليس مجرد رؤى وآمال يمكن لأي شخص أن يهجس بها، ومن هنا يأتي التنافس الكبير على المقاعد التشريعية حتى يجري الدفع بهذه الرؤى إلى الأمام، ورفعها من صيغتها التخيلية إلى التطبيق الواقعي، وهذا الأمر يحتاج إلى جملة من التكتيكات التي تتبع أساليب الأخذ والرد، والتحالف والتخالف، والشد والجذب، مع المكونات الأخرى في المجالس هذه. وإذا كان الحديث عن حزب/جمعية سياسية، فإن الحديث هنا يتم على مستوى فرق عمل متخصصة، تضع برنامج عمل واضحا ومتكاملا على مدى سنيّ المجلس، وترفده بالخبرات العلمية والعملية التي تعكف على كل التفاصيل حتى تأتي المشاريع متكاملة لا ريب فيها، ولا “تتمرمط” ما بين الدهاليز ومحطات اتخاذ القرار النهائي بشأنها، وحتى يطأطئ لها الكارهون لحبكتها، وعدم تركها شاردة أو واردة إلا وأحاطت بها، ومن هنا يأتي السؤال مجدداً: هل للمستقلين كل هذه الإمكانيات المادية والبشرية حتى يكونوا فاعلين في المجالس إن وفقّهم المولى وصاروا من ضمن أعضاء المجلس النيابي في الأساس؟ هل سيبذخون في استقطاب الباحثين من كل حدب وصوب حتى يضعوا لهم التصورات والمشاريع بشكلها المحكم؟ وفي كم من المجالات؟ وكم مرة سيفعلون هذا الأمر خلال 48 شهراً (ما عدا العطلة البرلمانية)؟! ممن ستتألف مكاتبهم؟ وهل هناك مكاتب أساساً لأكثرهم؟ هل هي عبارة عن جهازي هاتف نقال وسكرتير بدوام جزئي؟
إن الانتماء إلى الجمعيات السياسية، انتماء فكري في المقام الأول، حيث يبذل الفرد الغالي والنفيس في أحيان كثيرة لنصرة مؤسسته الفكرية، وهذا ما نراه في البحرين، إذ وقف أتباع توجّه المشاركة في الانتخابات موقفاً واحداً، وقالوا كلمتهم. ووقف أنصار الجمعيات المقاطعة أيضا كذلك، وربما تاقت أنفس من هنا أو هناك للقفز إلى الضفة الأخرى، وذلك بحسب القناعات الفردية، ولكن العمل الجماعي في الجمعيات السياسية والأحزاب السياسية أيضاً، لا يدع مكاناً لهذا التفلت، بل هو سيرٌ على النهج الذي تراه الأغلبية في المؤسسة، وحتى وإن كان الرأي مختلفاً في المؤسسة السياسية الواحدة، فإن صاحب الرأي المعارض عليه الخضوع للأكثرية، الانصياع أولاً ومن ثم العمل داخلياً على ترجيح وجهة نظره المخالفة. إن هذا النوع من الالتزام قادر على أن لا يجعل المترشح فرداً، ولكنه يأتي حاملاً ومحملاً برأي الجماعة، كفردٌ يمثل تياراً، أو حزباً أو جماعة، ومن هنا يأتي إيقاع المجالس قوياً حتى وإن احتدمت الصراعات السياسية والفكرية داخلياً، ولكنه سيكون أيضاً صراعاً ممنهجاً، واضح المعالم، بيّن الحدود. أما في حالة المستقلين لدينا، وبحسب التجارب السابقة، فإنهم يبدأون مستقلين، ولكنهم ما يلبثوا ان يكونا “قريبين” من هذا الخط أو ذاك بحسب القرب النفسي أو العشائري أو المناطقي أو المذهبي، ولا يمكن التنبؤ بأي موقف يمكن أن تتخذه هذه الكتلة التي لا يجمعها جامع.
هذا ليس من باب الطعن في الفضليات والأفاضل من المترشحين المستقلين، خصوصاً من الذين يحملون هموماً وطنية تتجاوز، بمسافة كبيرة، المكاسب المرتقبة حين الوصول إلى مجلس النواب التي يتحلّب لها الكثير من المواطنين الذين لا تخطأ نغمة الحسد في نبرات أصواتهم وهم يتحدثون عن رواتب النواب وامتيازاتهم وتقاعدهم، أو المكاسب المحتملة لأن يُعطى أحدهم مبلغاً من المال يغطي مصاريفه الانتخابية و”طيبة خاطر” لينسحب من السباق في أوله حتى لا يشتت الأصوات، كما يشاع وأتمنى من كل أعماقي ألا تكون هذه القصص صحيحة حتى يبقى قليل من الاحترام لمن قيل هذا الكلام في شأنهم. فقد شهدت الدورات الثلاث السابقة مواقف جليلة لبعض المستقلين، ولكنها – وإن عظمت مقاماً – فإن عضوية المجالس ليست كلمات رنانة، وليست كرنفالات وحركات بهلوانية، بل عمل منظم يقود التشريع والرقابة لأعضاء ذوي قواعد فكرية وحزبية منظمة، وإن اختلفت في المسيرة فإنها تتحد في المقاصد.
سيكون مجلساً في حدوده المعقولة إن سادته الكتل وتخلله الأفراد المستقلون، ولكن كيف سيكون المجلس لو كان كمية مستقلين مزيّنا ببعض الكتل؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .