العدد 2139
السبت 23 أغسطس 2014
banner
“أحنا نشتري الريال” أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 23 أغسطس 2014

ما صدّرت به هذا المقال عبارة كانت ومازالت – وإن بنسبة أقل – تدرج على ألسنة أولياء الأمور عندما يتقدم للزواج من بناتهم ابن الحلال، فما إن يفد بالتقدم للخطبة رجل ممن ينتمي لهذه العائلة أو تلك حتى تجد هذه العبارة تقال كمجاملة ونوع من الترحيب بمن يريد أن يتشرف بالانتساب لها، إلا أن المجاملة التي قد تطغى على هذه العبارة قد تتجاوز أي معالم تعكسها على أرض الواقع لتصل إلى مرحلة المجاملة الكذابة.
في ظل غلاء المعيشة الذي برز على الساحة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي حصلت مغالاة في المهور، وأصبحت إلى جانب ذلك تكاليف الزواج باهظة بصورة ملفتة غيرت القناعات لدى قطاع كبير من الشباب البحريني في الزواج ببنت البلد، فالشاب في هذه الأيام تجده إما محجماً عن الزواج شكلاً وموضوعاً لأسباب مسوغة وغير مسوغة، وإما معرضاً عنه بسبب غلاء تكاليفه ومتطلباته وفق ما ارتبط بالأعراف السائدة في البحرين وفي عموم دول الخليج العربي.
إن السائد في هذه الأعراف يتمثل في عدم تحمل المرأة أي شيء من تكاليف الزواج في مجتمعنا، رغم أنها في بعض المجتمعات تتحمل كامل هذه التكاليف كالهند، وفي بعضها الآخر يدفع الزوج مهراً رمزياً ويوفر عش الزوجية، وتتحمل معه الزوجة بعد ذلك تكاليف فرش المكان وفق قائمة سائدة في أعراف البلد، وهو عرف سائد في مصر وفي بعض البلدان العربية، حيث تتحمل المرأة جانباً من تكاليف فرش المكان الذي سيجمع الزوجين جنباً إلى جنب مع الرجل، ويتم إعداد قائمة لضمان حقها عند وقوع طلاق أو خلع.
أما في بلادنا وفي البلاد المحيطة فإن الزوج – في الغالب – يتحمل سائر تكاليف الحياة الزوجية بتفاصيلها؛ لذلك تجده يستدين من هنا وهناك لتوفير بعض المتطلبات التي يطلبها بعض الأهالي بصورة مبالغ فيها بحجة تلبية متطلبات الحياة الزوجية التي فرضتها أعراف الناس؛ ليكون هذا الزواج بعد ذلك وبالاً على ذلك الرجل الذي في الغالب يثقل بالدين في سبيل تلبية ما تطلبه بعض الأسر التي غالباً ما تجامل بمجاملات كذابة عندما تقول للمتقدم للخطبة وأهله “أحنا نشتري الريال”.
لا تكون الأيام الأولى من الحياة الزوجية لكثير من الرجال من الناحية المادية أياماً سعيدة، فهو يظل يعاني من الديون المتفاقمة التي تبدأ مع أول شهر يقضيه مع الزوجة التي ارتبط بها، وما إن يكتمل عقد الفعاليات المرتبطة بالزواج التي زرعتها الأعراف في وجدان المجتمع، والتي جعلت الزوج مثقلاً بالديون، وتبدأ الحياة الزوجية الفعلية، حتى تجد المشاكل الأسرية قد اشتعلت بسبب الأوضاع المادية للزوج، والتي كانت الزوجة وأهلها - بما فاقموه على الزوج من ديون بسبب المتطلبات - السبب فيها؛ لذلك فإنه ليس من العجب أن تنتهي كثير من العلاقات الأسرية في الشهور الأولى من الزواج نتيجة تفاقم الأمور المادية على الزوج.
كثيرة تلك الأعراف التي ارتبطت بتأسيس الحياة الزوجية في مجتمعنا سبيلها في كثير من الأحيان إرهاق الزوج من الناحية المادية على نحو من شأنه أن يولد العزوف عن الإقبال على الزواج من بنات البلد، فالزوج ملزم عند إقدامه على الزواج الذي سيعقده – في الغالب الأعم – (بدفع مهر، وشراء شبكة، وإقامة حفلة أو حفلتين أو أكثر، وتهيئة عش الزوجية، وتكاليف شهر العسل، وهدايا الزواج، وتكاليف أيام الخطوبة، وغيرها)، والتي لا تتحمل الزوجة منها أي شيء في الغالب، ولا شك أن هذه التكاليف مرهقة من الناحية المادية للزوج الذي يذوق الأمرين ليبدأ حياته الأسرية مثقلاً بالديون والالتزامات.
إن ما كتب مما سبق لا يعني البتة التعميم في ذلك على كل الأسر البحرينية، والتي منها الكريم الذي عندما يقول لعائلة المتقدم للزواج “إحنا نشتري الريال” فإنه لا يقولها اعتباطاً أو على سبيل المجاملة الكذابة، بل يقولها جاداً فيها قولاً وعملاً، فتجد أهل الزوجة التي ارتضت هذا الرجل الكفء للارتباط بها يساعدون في بناء الأسرة التي ستكون هي فيها بعد ذلك حجر الأساس، فاللهم كثر من أمثالهم.

زبدة القول
لقد سادت بسبب المغالاة في المهور والمبالغة في تكاليف الزواج حالة من العزوف لدى الشباب البحريني المتواضع مادياً عن تكوين هذه العلاقة، هذا فضلاً عن بروز ظاهرة خطيرة سترفع لا محالة من نسبة العنوسة في البلاد، والمتمثلة بالزواج بأجنبيات لقلة التكاليف المرتبطة بذلك، وكل ذلك يحصل ويتفاقم في ظل صمت رسمي وأهلي من الجهات المعنية إزاء معالجة هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .