العدد 2578
الخميس 05 نوفمبر 2015
banner
أكتب إليكم من عمان (4) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 05 نوفمبر 2015

 يوم آخر مع عَمان، وعَمان أشبه بفتاة رشيقة مقنعة ليس من السهل ان تحيط بجمال تقاسيمها على عجل، وتبقى عصية الفهم على مرتاديها لأول مرة، وما ان يطول بك المقام حتى تجد نفسك يوما بعد يوم تكتشف مستجدات لم تكن تعرفها وغابت عنك أشياء.
من القديم المستحدث في عمان شارع “الرينبو” قوس قزح، سينما قديمة كانت في الشارع لم يعد لها وجود، شارع الرينبو بجبل عمان قرب الدوار الأول، شارع بمبان حديثة وأخرى قديمة تم تصميمها وتحديثها منذ 2008 لتكون شارعا سياحيا ومنطقة جذب يمتزج فيها العتيق الجميل والجديد الحديث، وتلافيا للضوضاء ومخاطر سرعة السيارات رصف الشارع بالحجارة، وعدت المنطقة حوله محمية تمثل جزءا من تاريخ الأردن وتراثه، من أشهر معالمه السفارة السعودية سابقا والمركز الثقافي البريطاني ودار سينما أصبح مسرحا، ومن بيوت الأسر العريقة فيه منزل الملك طلال، وبيت الشريف زيد بن شاكر، وفيه وعلى مقربة منه عدة مراكز ثقافية وترفيهية وعلى ضفتيه مقاه تطل بشرفاتها، ومطاعم حديثة بأسماء أجنبية تقدم خدمة مميزة وأخرى شعبية تقدم أكلات محلية كمطعم فلافل القدس. ومعارض تراثيات وتحفيات قديمة، يمكن التواصل معها على النت والفيس بوك، الشارع لا يخلو من طرافة، أشبه بحارة يرتادها المواطنون والسياح من كل المستويات.
هبطت نحو عمان القديمة (داون تاون) وسط البلد لأنتهي عند المسرح الروماني والمتحف الطبيعي، ومقاه وأكشاك عصير كانت قبل سنوات مسرحا لتجمع العراقيين مساء فلم أجد بغيتي، هزني الشوق إلى مقهى جامعة الدول العربية الذي كنت أرتاده كلما زرت عمان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان من المقاهي النظيفة التي اشتهرت في المنطقة العربية، يلتقي عندها المثقفون والسياسيون العرب لمن يريد التعرف عليهم ومجالستهم، عدت إلى شارع طلال مقابل جامع الحسين فلم أهتد إليه، سألت عنه رجلا مسنا كان يجلس امام دكان في المنطقة، قال لي يبدو عليك أنك لم تزر عمان منذ زمن، المقهى ذهب مع أهله وناسه، جيلي وجيلك من الخيرين مضى ولم يعد لنا مكان، هُـد المقهى وأقيمت عليه بناية بعدة أدوار، هذا زمن القرش والدينار، ودعته والحزن ينتابني، ودلفت إلى شارع الملك فيصل الثاني، آخر ملوك العراق، بحثا عن مقهى بلاط الرشيد من مقاهي عمان القديمة، تراثي متواضع وسط البلد انشئ عام 1921، تطور عن ديوان ومضافة وقاعة استقبال قبل منتصف القرن الماضي، عرف بشرفه المفتوحة المطلة على ساحة الملك فيصل الثاني مقابل البنك العربي ومجاور فندق القاهرة، يميز بألوانه الزاهية لرسومات أعلام دول عديدة إشهارا بكونه ملتقى ثقافيا جامعا كان أشبه بصالون سياسي يرتاده المثقفون الأردنيون والعرب والأجانب صحافيون وشعراء ورجال أعمال، وطلاب ونخب بشتى اتجاهاتهم السياسية يتداولون هموم الحياة وقضايا العصر، لم أستطع الاستدلال عليه مباشرة، ارتقيت إليه صعودا عبر مدرج الأمير حمزة لعدة طوابق ثم هبطت إليه نزولا عبر درج لولبي، افتقدت رائحة القهوة الطازجة والمعسل. التي اعتدت أن أميز فيها نكهة المقهى خصوصا في المساء حيث يعج بالرواد، لكنني فجعت قبل الوصول إلى رواقه بالتراب على السلم، وحين دخلت خاب أملي، المقهى شبه خال إلا من شباب يدخنون الشيشة في الشرفة، والمكان اعتراه الإهمال ونخرته الشيخوخة، شربت قنينة الماء وتركت دينارا على الطاولة وغادرت المقهى حزينا بعد رشفة واحدة من كوب الشاي.
هبطت نحو وسط البلد فاستقبلني مطعم هاشم، من مطاعم الرصيف الشعبية المشهورة بعمان، اعتدت في التسعينات تناول الفول والطعمية والحمص مع أصدقائي فيه، وعرفت أن الملك عبدالله الثاني تناول فيه مع الملكة رانيا والأبناء السحور في رمضان المنصرم، دخلته فوجدته قد اتسع ليشغل الزقاق بأكمله، كان مزدحما بالرواد، وتبدو عليه مسحة النعمة والشباب، خلافا لغيره، ودعته إلى حيث تنتطرني دعوة عشاء في مطعم ورد، أحد مطاعم عمان الحديثة، لأتمنى لكم زيارة ممتعة لعمان.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .