العدد 2452
الخميس 02 يوليو 2015
banner
داعش... وألف علامة استفهام؟ (7) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 02 يوليو 2015

في هذه الحلقة من كتاباتنا عن داعش، أود بدءا الرد على كل السادة القراء الذين علقوا وأبدوا وجهات نظر مختلفة راضين أو مستاءين مما ورد بحلقاتنا السابقة، فنقول لم نكن نعرض مواقفنا الذاتية المسبقة عن داعش، وما كتبناه لا يعكس مدى كرهنا ومعارضتنا لداعش أو حبنا لها، وإنما متابعة وقراءة وقائع مستمدة من أرضية الواقع، فنحن عرضنا أفكارا ولم نعمم انطباعات ذاتية منجزة سلفا، وكنا ننقد، والنقد لا يتوقف عند مساوئ داعش، بل ما لها وما عليها. وأود التذكير بما نقل عن رئيس أركان الجيوش الأميركية السابق في العراق وأنه يعد مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من الحكومة العراقية أخطر على وحدة العراق من داعش، على الرغم من قيادة أميركا لتحالف دولي واسع لمحاربة داعش. وربما لو خير كثير من الناس اضطرارا بين شرين أحلاهما مر، داعش أو مليشيات الحشد الشعبي كعصائب أهل الحق، وكتائب السلام، وبدر، وكتائب أبوالعباس، وغيرها من المليشيات الطائفية لاختاروا داعش ليس حبا بها وإنما نكاية بما يحصل على يد مليشيات أخرى.
داعش ظاهرة غير طبيعية، ولكن يمكن علاجها داخليا ولاسيما في العراق، قياسا بمليشيات الحشد الشعبي التي إن كان لها علاج، فعلاجها حصرا بيد عدو تقليدي تاريخي، يعد عزته في ذل العرب. وعلينا أن ندرك، ليس الغريب أو العجيب أن تكون ولادة داعش غير طبيعية، بل العكس هو الغريب، داعش ولدت في محيط غير شرعي وغير طبيعي، هي أشبه بحمل أمَة تعاقب عليها أكثر من بعل، ونتاج من أنظمة وأطراف إقليمية مختلفة الطبيعة والجبلة، اجتمعت على أطماع وأهداف خبيثة مشتركة، طاغية سوريا الأسد، وورثة بريمر في العراق، وزمرة الملالي الطائفية في إيران، والعصابات الصهيونية، ورعاية دول عظمى غربية وشرقية احتفلت جميعا بولادة وجد كل منهم فيها منفذا لتحقيق بعض مآربه.
لقد استخف كل هؤلاء بعقولنا، كذبوا واستثمروا نقاط الضعف والغباء فينا وعقدوا تحالفات مشبوهة تحت شعار محاربة الإرهاب، وهل من الطبيعي أن تترك الإرهاب الفارسي الطائفي الذي يمارس كذبا على هواه، وتحارب داعش  لمجرد ممارستها الإرهاب باسم السنة، ما الذي تختلف فيه داعش في العراق عن زمرة الحوثيين في اليمن؟ كل منهما يجتاح المدن والمحافظات تحت وطأة السلاح، وما الذي تختلف فيه القاعدة عن حزب الله سوى أن القاعدة تمارس العمل السري وحزب الله يمارس عمله المسلح جهارا نهارا، ولكل منهم كتائبه وخلاياه النشطة والنائمة المنتشرة في كل العالم، إذا كان الإرهاب كفرا، فالكفر ملة واحدة، لماذا نحارب ذاك الإرهاب ونغض الطرف ونصفح عن ذاك؟ وهل من العدل ان تسلح إيران مليشيات الحشد الشعبي الطائفية وتسلح أميركا بيشمركة الأكراد، ولا تسلح القبائل العربية؟
إن من غير الطبيعي أن تسمح الدول الكبرى لحزب الله في لبنان بمعاكسة الحكومة اللبنانية ويفرض نصر الله إرادته على الشعب اللبناني بحكم السلاح ولا يسمى ذلك إرهابا، وأن يعاكس الحوثيون الحكومة الشرعية المنتخبة يحاصرونها ويختطفون قياداتها ويستولون على الوزارات ولا يسمى فرض إرادة الحوثيين على اليمنيين بالسلاح إرهابا، ومن غير الطبيعي أن يناهز ضحايا الرئيس السوري نصف مليون شهيد ناهيك عن ملايين الجرحى المعاقين والمهجرين ولا يسمى ذلك إرهابا، ومن غير الطبيعي أن يمارس المالكي فتنة طائفية تمزق شعبا ووطنا، وتدعم حكومته مليشيات لا حصر لها تحت مسمى الحشد الشعبي، ترتكب أصناف القتل والحرق والتدمير باعتراف دولي ولا يسمى ذلك إرهابا، ويغض عنها النظر لمجرد أن إيران داعمة لهم بالمال والسلاح، داعش وحدها الإرهابية! لأن ليس خلفها دولة إقليمية كإسرائيل أو إيران (شرطي منطقة) تسعى لهدم كيان العرب والمسلمين باستراتيجية طويلة الأمد.
العراقيون في أرض بابل منذ بدء الخليقة وتأسيس المدن شعب واحد رغم تعدد أعراقهم، لماذا يصنفون اليوم ويسمح للشيعة بتكوين عشرات المليشيات وقد فشلوا في الحفاظ على وحدة العراق وإدارة شؤونه، وتورطوا بأنواع الفساد المالي والإداري، وللأكراد الذين يسعون إلى الانفصال بشتى الذرائع، وللأزيدين وغيرهم بمليشيات ضالة ولا يسمح للعرب السنة بالتسلح لحماية مواطنهم من عنف داعش وهم أكثر من يسعى للحفاظ على وحدة العراق وسيادته واستقلاله؟ هذا الاستلاب بالقهر والتمايز بالقوة تسبب بولادة داعش غير الطبيعية وزج بها في أتون العنف والتشدد، فهل لدى الدول العظمى والدول الإقليمية بعد سنوات من ظهور الإرهاب في المنطقة برنامج ثقافي اجتماعي أو سياسي سلمي لمكافحة الإرهاب؟ أم برنامج واحد العنف المفرط، الذي يتوالد منه ما هو أعنف بهدف تفتيت الأمة بحروب تخوضها فيما بينها، وهم يتسامرون على نار هادئة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية