العدد 2136
الأربعاء 20 أغسطس 2014
banner
تمنيات عراقي لحكومته الجديدة د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 20 أغسطس 2014

لا خلاف بين العراقيين في أن تشكيل الحكومة القادمة سيضعهم على أبواب مرحلة جديدة، يتمنون جميعا أن تكون مرحلة تختلف عما قبلها، وما بعدها، تؤسس وتؤصل لحياة تأخذ بأولويات الأمن والغذاء والاستقرار، وتؤجل البحث عن الحرية والديمقراطية والرفاهية قليلا، فمشكلة المواطن الأولى اليوم حاجته إلى الأمان في مدينته، البيت والشارع والعمل، وتوفير الخدمات الأساسية “الماء والكهرباء والوقود”، فإذا اطمأن المواطن أنه لن يقصف بالمدفعية، ولا بالراجمات والصواريخ، ولا تمطر عليه السماء براميلا متفجرة، حينها يتمكن من العمل والإنتاج، وتدور مكينة الحياة، أما من يقصف أبناء شعبه الآمن في مساكنهم ويعمل على تشريدهم وتهجيرهم لأي سبب، لا ولاية له عليهم، ويمكن للحكومات عند اللزوم محاصرة مداخل المدن وتأمين حركة الدخول والخروج، والسكان ينظمون أنفسهم بأنفسهم، عندها لن يجد الإرهابيون حاضنة، ولا يحتاج الناس لحمايتهم إذا أمنوا على أنفسهم، ولا مبرر لوجودهم فينسحبون من أنفسهم، فهل سيتوقف قصف المدن والعقاب الجماعي ليعمل الناس ويأكلوا؟
بالتأكيد السيد العبادي قيادي في حزب الدعوة، ولا نطمع أن يبرأ ويتخلى عن ميوله وأفكاره، ولكن من الضروري أن لا يقع بما وقع فيه أسلافه من تعصب وتطرف وحقد، حينما حملوا كوادر البعث كلها المسؤولية وقننوا الاجتثاث وربطوه بالعزل السياسي وعطلوا الحياة الاجتماعية، أخطاء الحكم تتحملها قواعد الحزب أدبيا، ويسأل عنها من تولوا السلطة قانونيا، وإلا فأخطاء حزب الدعوة أكثر جسامة، فعفا الله عما سلف، ولذلك نتمنى أن توقف الحكومة الجديدة الاجتثاث، وتجمد الحياة الحزبية والانتماءات سنة على الأقل، ليسهل كبح الشحن الطائفي، فلا يوجد في العراق اليوم حزبا غير طائفي ولا معبأ طائفيا، أما المالكي فيوضع قيد الإقامة الجبرية وتوفر له حياة أسرية آمنة إلى أن يقرر الشعب بحقه ما يريد. فشعبنا بحاجة إلى ترك المماحكات والجدل، وهمّ الناس تشكيل حكومة عراقية قوية مستقلة غير موسومة، يتمتع وزراؤها بالمهنة العلمية كل بمجال اختصاصه لبناء أجهزة مهنية بكوادر متخصصة على أساس الكفاءة والنزاهة. فإذا أرسينا قواعد الدولة المدنية وأسسها المستقرة، أصبح بالإمكان البناء عليها.
إن نجاح الحكومة الجديدة في توفير الأمن والاستقرار مرهون بقدرتها على لجم المليشيات وتصفيتها جميعا بلا استثناءات بما فيها الصحوات، وجمع أسلحتها وسحب مركباتها، وتحريم لبس الزي العسكري خارج العمل الرسمي، وإدخال أفراد المليشيات مصحات اجتماعية للعلاج والتأهيل واستخدامهم في مؤسسات مدنية وليس عسكرية، ولا يستثنى أي فصيل مؤيد أو معارض، وحبذا لو يتم تجنيد خريجي الجامعات لهذا العام بلا استثناء وتدريبهم ليكونوا نواة جيش نظامي مهني دائم من كل الطبقات والطوائف بلا تمييز، والاستغناء عن منتسبي الجيش الحالي وقوات الأمن وإحالتهم إلى وظائف مدنية والاستفادة منهم في الحراسات الليلية للمؤسسات. هؤلاء تعلموا على الهزيمة وترك السلاح فلا فائدة ترجى منهم.
ونتمنى على الحكومة الجديدة تبني سياسة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، فعليها إنصاف المظلومين بإيقاف التعذيب، وإطلاق سراح الموقوفين منذ سنين بلا محاكمات الرجال والنساء فورا، وإعادة النظر بقضايا المحكومين بالإعدام والسجن مددا طويلة بجرائم لم يرتكبوها إنما لفقت لهم، وإنصاف البريء وتنفيذ القصاص بمن يستحق، بداية لحسن الظن والنوايا بحكومة تريد المصالحة على وجهها الحقيقي، والكف عن ملاحقات الحزبيين الذين لم يتورطوا بسفك الدماء، فإذا كان بعض البعثيين قد أساءوا فإساءات حزب الدعوة وحلفائه أكبر وأكثر، نريد التسامح ولا نريد العفو عن المجرمين المتورطين بجرائم دم كبرى وسرقات وخيانات عن تعمد وإصرار، وعلى العدالة أن تأخذ مجراها.
وكم سيكون الشعب العراقي سعيدا بالعبادي إن دعا المرجعيات الدينية للتوقف عن التدخل في الشأن السياسي ولو مؤقتا، وحذر دول الجوار الإسلامية والعربية عن التدخل في الشأن العراقي فشعبنا لا يحتاج إلى مرشدين وأوصياء، ودعا كل الأحزاب والكتل السياسية إلى الابتعاد عن دس أنوفها في تشكيل الحكومة الجديدة تحت شعار الاستحقاق الانتخابي الذي زيف، وسيكون الشعب العراقي أكثر سعادة لو أحجمت الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية نفسها عن المشاركة في الحكومة الجديدة على أساس المحاصصة العنصرية والطائفية، وفسح المجال لعمل الحكومة بحريتها تحت رقابتهم بلا تدخل، وأن لا مكان لوزير سابق في الحكومة الجديدة، ويترك لرئيس الوزراء الجديد اختيار أعضاء حكومته على أساس الكفاءة والمهنية، ويتحمل هو ورجاله مسؤولية الفشل. فمن يشغل كرسيا بوظيفة عامة ويتخذ القرار عليه تحمل تبعاته.
وأخيرا نريد أن يستفتى الشعب العراقي على أداء الحكومة بعد سنة أو سنتين، وتجرى بعد ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية لإعداد دستور عراقي يحظى باحترام كل العراقيين ومباركة العرب والعالم، وليكن شعار المرحلة “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .