العدد 1681
الأربعاء 22 مايو 2013
banner
الرهان على الحصان الإيراني وحصاد الدم د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 22 مايو 2013

ألف قتيل وجريح ومفقود في العراق خلال أسبوع، إذا لم يكن أكثر، وألف مثلهم في سوريا، وهما البلدان العربيان اللذان يحملان ثقل التاريخ والحضارة العربية، وينفردان من بين البلاد العربية، وبلدان العالم حيث لم يكن للقاعدة والتطرف في أراضيهما قدم، فمن جلب إليهما الوباء والبلاء الذي لم يكن معروفا فيهما؟ وهما البلدان اللذان كثرت فيهما الانقلابات والثورات وتغيير الحكومات واستبدل فيها ملوك ورؤساء، ولم يحصل فيهما من قبل ما يحصل اليوم، فما الذي تغير؟ ليجعل منها بؤرة إرهاب طائفي تتسع حواشيها، وتتعمق منابعها، وتتشعب مجاريها.
إن من ينادي من المثقفين العرب بطرح فكرة المؤامرة جانبا هم واهمون أو مغرضون عفوا أو عمدا، فكرة المؤامرة على العرب راسخة في عقول الشرقيين والغربيين، ولا يتجاهلها إلا جاهل، وعدم وجودها يتنافى مع فكرة وجود سياسات وخطط إستراتيجية، فكل تخطيط لضمان مصالح على حساب الآخرين مؤامرة، وأي دولة كبرى لا تخطط لسياساتها ومصالحها، ولا تتآمر بخاصة على الأغنياء الأغبياء؟
أميركا وروسيا الدولتان العملاقتان غرستا إسرائيل في التراب العربي، وباتتا على يقين أن العالم اجمع يمكن أن يرتبط معهما بعلاقة الأبوة والبنوة إلا العرب طالما تحميان الربيبة إسرائيل وتحرصان على توسعها اللامشروع، ولذلك تتآمران وتكيدان للعرب في مخططات قصيرة الأجل وأخرى استراتيجية طويلة الأمد. كلاهما تتظاهران بمساعدة العرب في معركة البناء وفي الحقيقة طمعا بثرواتهم ولاسيما النفطية، وكلاهما تمدان العرب بالسلاح فتستنزفان أموالهم، وكلاهما تدفعان بهم إلى الحروب لتبقى المنطقة العربية تدور في الحلقة المفرغة، فخروجهم منها يشكل بالنسبة إليهم حلقة مفزعة.
لقد خاض العرب حروبا مع إسرائيل 1948، 1956، 1967، 1973، وفي كل مرة يعودون إلى الصفر ويرجعون إلى روسيا وأميركا يستوردون السلاح لإعادة الكرة، ولن يسمحوا لهم بالتقدم شبرا واحدا لأنهم يعلمون ثمن ذلك، وسنبقى نثور وننقلب فنخرج من عباءة  أميركا لندخل تحت عباءة روسيا، وننقلب على روسيا لندخل خيمة  أميركا، وفي الحالين نحن من ندفع وهم من يستثمرون جهدنا وثرواتنا وجهلنا. وبعد كامب ديفيد وارتباط مصر والأردن مع إسرائيل بمعاهدات ادخلوا الحصان الإيراني إلى الحلبة العربية بلعبة قذرة، وتبين لهم انه أجدى من الحرب مع إسرائيل، حاربنا إيران عشر سنوات في الخليج، وتعمدت كل من روسيا وأميركا على إطالة أمد الحرب بمد الطرفين المتحاربين بالسلاح والمعلومات، وبسبب الحرب الإيرانية حاربت دولنا بعضها بعضا في حرب الخليج الثانية  والثالثة، واضعنا رجالنا وكل مدخراتنا وثوابتنا، مليون قتيل ومعاق ثمن الحرب العراقية الإيرانية ومخلفاتها ومليارات الدولارات، ومليون قتيل ومعاق ومليارات الدولارات سيكون ثمن الاقتتال الداخلي ومحاربة كل منا الآخر في سوريا والعراق ولبنان واليمن، والأطراف الفاعلة  أميركا وروسيا، هما اصطنعتا حروبنا مع إسرائيل،  أميركا وروسيا خلف صراعنا مع إيران في حرب الخليج الأولى والثانية، وهما خلف احتلال العراق، والفتنة في سوريا وفي جميع تحركاتنا نرخص دماءنا، وهناك من يأخذ ويأكل ويدخر على الجاهز.
لا أقول بين إيران وأميركا تحالف استراتيجي مباشر في كل شيء، وإنما روسيا وأميركا أدخلتا إيران في رهان التسابق والتدافع على النفوذ والسيطرة، ولإيران أوهام تاريخية في المنطقة تراودها وتدفع بها إلى صراع محموم، وأيهم سيحصل من الرهان على الأكثر، خذ هذا واترك لي ذاك، وبدأ كل منهما يكيد للآخر ويساومون علينا، هم خلف نقل معركة التطرف والإرهاب من أفغانستان إلى المنطقة العربية تحت دخان الطائفية وإشعال الحرائق، إيران وروسيا وأميركا خلف الاقتتال والتطاحن في سوريا، وهما خلف ما يجري في العراق واليمن ولبنان، وغيرها من الدول العربية، وإذا أردت أن تعرف الحقيقة ابحث عن المستفيد، وعرض مصالح أي منها للخطر ستجد رد الفعل مختلفا شكلا، ولكن الحصاد يصب في جيوبهم. ولن تحسم اللعبة بسهولة، ولا في وقت قصير.
إيران تجري وهي تلهث خلف أحلامها الصفوية، وقد فهمت جزءا من اللعبة فزجت بحزب الله والحوثيين والعلويين في الحلبة تحت مظلة التشيع ليكون الاقتتال عربيا عربيا في المنطقة، والشيعة المعتدلون يعون ذلك أكثر من غيرهم، وأن الشيعة يكفرون الحوثيين والعلويين النصيرية لمخالفتهم جوهر التشيع، ولكنها الحرب الصفوية التي خدع بها العرب، وستظل  أميركا تفسح المجال لإيران للانغماس في اللعبة والتورط أكثر طالما تخدم مصالحها، ونحن الضحية وحاصل قسمة الابتزاز، فلا إيران دولة إسلامية بحق، ولا هي مؤمنة بالتشيع العربي، وليس لأميركا مبادئ وإنما تستغل دعاوى الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان لتحقيق مأربها، وروسيا تستثمر المواقف بخبث، والشرق والغرب يتاجران على الحصان الإيراني لسفك المزيد من دمائنا واستنزاف أموالنا، فمتى نفرق بين المقدس والمدنس، ونفهم اللعبة؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .