+A
A-

الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة... الريادة المُجَسَّدة في إنسان

جميــــــل العلــــــــوي

لكل بلد وشعب ومجتمع عالمي أيقونته الخالدة، التي يستلهم منها النموذج الأطهر والمثال الأجمل، ويقرأ فيها أعطر صفاته ويقتبس منها أحلى سجاياه.. والشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة ــ رحمها الله ــ هي أيقونة البحرين الخالدة في مجال العطاء والريادة النسوية والعمل التطوعي..! فقد كانت ــ رحمها الله ــ مصنعًا متنقلاً للريادة، ومَدرَسَة في إنسان، وبصمة بحرينية خالدة وضعتها يد السماء في سفر العطاء البحريني وفي سجلات الريادة الاجتماعية الخليجية والعربية لتجسد بصفاتها الطيبة وسجاياها الجميلة وإنجازاتها الساطعة نموذجًا باهرًا للمرأة البحرينية عندما تتفوق على أشجع الرجال وأنبل الفرسان وتجعل من نفسها دعامة وطنية لبلدها وشعبها ورمزًا إنسانيًّا للبذل والعطاء والإيثار وأعلى مستويات المسؤولية الاجتماعية.
مع المغفور لها الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة، عرف المجتمع البحريني أول تنظيم نسوي نبيل يهدف لبث عطر الخير وأريج العطاء في سماء الوطن وبين أشجاره وإنسانه وعلى ترابه وفي عمق وجدانه.. فجاءت فكرة تأسيس جمعية رعاية الطفل والأمومة في العام 1959، لتكون واحدة من أوائل الجمعيات النسوية في الخليج العربي..
ومع باقة نبيلة من الرائدات البحرينيات، من مثل فائقة المؤيد ومحفوظة الزياني وعائشة يتيم ـ رحمهن الله ـ، وضعت المغفور لها الشيخة لولوة، الأم البحرينية والطفل البحريني على خارطة الاهتمام والرعاية الوطنية، وبدأت منذ ذلك الوقت المبكر، صياغة ميثاق الشرف البحريني المُوجَّه للأطفال والنساء الأقل حظًّا بشكل خاص في المجتمع البحريني، ولكل طفل وامرأة وأسرة بحرينية.. فأرست بذلك أسس الرعاية الأولى للطفل والأم في مفهومها الصحي والاجتماعي الحديث، وسعت مع رفيقاتها رائدات العمل الاجتماعي والتطوعي إلى توفير احتياجات الأسر البحرينية الأقل حظًّا، بما يُساعد على نشوء الأطفال نشأة صحية ونفسية آمنة ومستقرة.. وزرعت ـ رحمها الله ـ منذ تلك الأيام الواعدة، بذور ثقافة الصحة الاجتماعية للطفل والأم والأسرة، وعملت هي والجمعية على تنظيم الكثير من الأنشطة والمحاضرات التوعوية والحلقات التعليمية والتثقيفية والدراسية حول المرأة والأسرة والطفل وما لهم من حقوق إنسانية وحقوق بالرعاية والعناية والاهتمام..
ولم تقتصر ريادة المغفور لها الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة على ميدان العمل التطوعي والخيري والاجتماعي، بل ارتادت ميادين ومجالات أخرى عديدة، في سبيل تحقيق رسالتها الوطنية التي آمنت بها وحملتها بقوة وصبر واهتمام نبيل ورفعة أخلاقية عالية.. فعملت من خلال ما بنته وأسسته من شبكات نسائية بحرينية وخليجية على إرساء ما يمكن وصفه بالقواعد الأولى للمسيرة النسوية البحرينية والخليجية، ووضعت نصب عينيها تغيير واقع المرأة البحرينية، وتنميتها وتطويرها في نفس الوقت الذي عملت مع جيل الرائدات على تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة ودورها الوطني والاجتماعي والتربوي والفكري إلى جانب دورها الأسري وواقعها كأم بحرينية وخليجية مكافحة في مجتمع تقليدي..
وفي هذا الإطار فقد كان لجهود المغفور لها الشيخة لولوة الباعث دورًا حاسمًا في الخروج بالعمل النسوي البحريني من حدود الوطن إلى الآفاق العربية والإقليمية والدولية، فبدأت مسيرة المشاركات البحرينية في اللقاءات والمؤتمرات والمنتديات النسائية العربية والدولية، وعملت ـ رحمها الله ـ على توحيد المبادرات والجهود النسوية البحرينية وتكافلها، وكانت وراء انضمام البحرين لأول مرة في تجمع نسائي عربي، حين انضمت جمعية رعاية الطفل والأمومة إلى الاتحاد النسائي العربي العام في سنة 1973..
ومن ريادة إلى أخرى، دأبت الشيخة لولوة ـ رحمها الله ـ على وضع بصماتها النبيلة والمؤثرة في مسيرة العمل التطوعي والخيري البحريني جنبًا إلى جنب مع مسيرة العمل النسوي.. حتى أخذ العمل التطوعي البحريني طابعًا نسويًّا غلب عليه لعدة سنوات، وأصبح مرتبطًا أكثر من غيره بالمسيرة النسوية.. ومن خلال دالتها الاجتماعية الرفيعة ومكانتها المرموقة لدى القيادة البحرينية والقيادات الخليجية، عملت المغفور لها على تذليل الكثير من العقبات الإجرائية والاقتصادية والطبيعية التي كانت تقف في وجه مسيرة النهضة النسوية أو تعوق مسيرة العمل الاجتماعي والتطوعي.. وكان لها -رحمها الله- قصب السبق في إرساء البذور الأولى لثقافة تمكين الأطفال المعوقين وتأمين كافة المقدرات التي تساهم في تمكينهم وإدماجهم وتقديم مختلف أنواع الدعم والعون لهم..
إنها مسيرة نبيلة لسيدة نبيلة اختارت منذ البدايات الأولى أن تكون سيدة ذات رسالة انسانية ووطنية.. ثم اختارت أن تحمل هذه الرسالة وتؤديها برفعة وتفان وإخلاص.. ثم اختارت أن تجعل من نفسها ومقدراتها ومؤهلاتها ومكانتها الاجتماعية رافعة بحرينية تعمل على دوام الساعة في خدمة وطنها وأهلها وبلدها وقيادتها وخدمة الإنسانية جمعاء..
رحم الله الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة.. فقد أحبت البحرين من صميم أعماقها، وعملت لها بكل ما أوتيت من قوة وجاه ومقدرات، وآمنت دائمًا بأن محبة الأوطان تعني العطاء للأوطان وأن محبة الإنسان تعني العطاء للإنسان.