+A
A-

“الصندوق الأسود” للقرار “5” يخفي من الأسرار أكثر مما يعلن عن حقائق

مازال “الصندوق الأسود” للقرار رقم (5) للعام 2014 الذي أصدرته وزارة الثقافة بحق فنادق الثلاث نجوم في شهر يوليو الماضي يخفي من الأسرار أكثر مما يعلن عن حقائق، ومازالت القطاعات ذات الصلة تتنافس على عض أصابعها ضاربة أخماساً في أسداس حول ما يمكن أن تلاقيه من متاعب وما يمكن أن تمنى به من خسائر. التقيت على عجالة بأحد المستثمرين في هذا القطاع وعندما حاولت الانصراف عنه بعد حديث مقتضب قال لي “وداعاً.. قد تراني مجدداً وقد لا تراني لبضع سنوات”، سألته: “وإلى أي الوجهات ستسافر؟”، فأجاب: “إلى السجن”. هذا هو شعور العديد من المستثمرين في قطاع الفندقة بعد مرور أكثر من شهرين على القرار المذكور.
ما هي خسائرهم بالتحديد؟ وما هو السبب في إنهاء الأنشطة الرئيسة بتلك الفنادق؟ هل هي مجرد مخالفات وارتكاب حماقات وخروج عن المألوف؟ أم إن القرار يبطن أكثر مما يظهر؟ وان الخلفيات والشخصيات والاعتبارات التي تقف خلفه أعمق من مجرد خسائر وأكبر من بضعة مستثمرين؟
“البلاد” حاولت العثور على أحد مفاتيح “الصندوق الأسود” محكم الإغلاق واعترف أن رهبة المفاجأة كانت تطغى على متعة الفضول.
من بعيد
فى النهاية يصبح لبعض المعلومات التي تأتي دائماً من بعيد حق التقدم على تلك التي تبدو قريبة أو أنها في متناول اليد.
من يعرف محمد نور سلطان يعتقد أنه مجرد رجل أعمال قادته قدماه إلى عالم “البزنس” من بوابات لا علاقة لها بدنيا الطيران.
ومن يفتش فى موسوعة معلوماته يستطيع الكشف عن تلك المساحة التي تربط صناعة النقل الجوى، حيث امتلاكه لخبرات واسعة فيها بحكم منصبه كنائب رئيس تنفيذي سابق لطيران الخليج، إلى جانب ارتباط الشركة باستثمارات في فندق الخليج ومتابعته الشخصية للقطاع الذي ينتمي إليه هذا الفندق.

سألته عن محتويات “الصندوق الأسود”، وعن أسباب وخلفيات قرار وزارة الثقافة رقم (5) للعام 2014 بحق فنادق الثلاث نجوم، وإذا ما كان القانون يعطي الحق للوزارة بأن تشطب خدمات أساسية بهذه الفنادق أم إن القرار الوزاري يمتلك بطبيعته التنفيذية قوة القانون؟

- قبل الدخول في تفاصيل هذا القرار، تعال معي لنفحص سوياً وضعية قطاع السياحة في البحرين؛ ذلك أن الحديث عن مجرد قرار بمعزل عن الوضع الإجمالي للنشاط أراه تبسيطاً مخلاً لقضايا أكثر شمولية وعزلاً لمضامين في غاية الأهمية عن سياقها الطبيعي.
اليوم منطقة الخليج تحظى باهتمام عالمي واسع لدرجة أنها أصبحت محط أنظار شعوب الدنيا قاطبة، هذا الوضع دفع ببعض دول هذه المنطقة إلى الاهتمام بالسياحة، إلى تطويرها وتطويعها بحيث تكون بلدانها مؤهلة لتلبية رغبات الضيوف القادمين من كل حدب وصوب.
البحرين بطبيعتها الشعبية والجغرافية والديمقراطية كانت مؤهلة أكثر من غيرها لكي تكون القبلة المفضلة لمرتادي المنطقة صيفاً وشتاء. على رغم هذه الوضعية المميزة للبحرين نجد أن دولة الإمارات بالتحديد من خلال إمارة دبي قد خطفت الأضواء وأصبحت بمثابة نقطة الجذب المضيئة وسط منطقة تزخر بالثروات، صحيح أن البحرين تمتلك تراثاً عريقاً وآثاراً قديمة لكن ذلك لا يشبع رغبات سوى السائح الأوروبي أو الآسيوي أو الأميركي.
البحرين لها تاريخ نعم، لكن دبي تمكنت من خلال التسهيلات غير المسبوقة أن تكون محطة الاستقبال الرئيسة للسائح من مختلف بقاع الأرض.
المخالفة رقم واحد
هذا يعني أن البحرين تراجعت سياحياً في حين تقدمت عليها دولة شقيقة أخرى، وهو ما يدفعنا إلى إعادة البحث عن الأسباب الحقيقية قبل الخوض في قرار أعتقد أنه جزء لا يتجزأ من منظومة تحتاج بأكملها إلى إعادة نظر.
الفنادق التي تم إلغاء الأنشطة الأساسية فيها، وهي من فئات النجمة الواحدة والنجمتين والثلاث نجوم، الكثير منها لم ينشأ بوصفه فندقاً، لكنها كانت عبارة عن بنايات سكنية تم تحويلها إلى فنادق.
تلك هي المخالفة رقم واحد لأوضاع الصناعة داخل التجمعات السكنية - هذا الوضع أدى إلى تأسيس فنادق لا تمتلك مقومات الصناعة الفندقية ولا تستطيع تقديم خدمات متطورة ولا يمكنها مواكبة التحديثات والوفاء بالمواصفات المطلوبة لتطوير الأنشطة حسب معايير إدارة السياحة أو الشركات التي يتم استقدامها؛ بهدف إجراء التصنيفات الدورية بين الحين والآخر.
البعض فقط
والكلام أيضاً لمحمد نور سلطان لا يعني أن جميع الفنادق التي تم إلغاء الأنشطة الأساسية بها كانت مخالفة للمواصفات والمعايير المرعية، حيث إن بعضها قام بمزاولة النشاط منذ المهد بعد أن تم تشييده على أساس أنه فندق مؤهل ويستحق التصنيف سواء من فئة النجمتين أو الثلاث نجوم، ولدينا أمثلة عديدة على ذلك.

إذن ليست كل الفنادق سيئة وليست جميعها مطابقة للمعايير؟ كيف؟

-لأن بعض الفنادق التي تحولت من فئة البنايات السكنية كان يتم تأجيرها مع قطعة الأرض الخالية الكائنة بجوارها والتي يتم عادة استئجارها لتستخدم كموقف سيارات حتى تحصل البناية على الترخيص الفندقي، بعد ذلك وعندما يسترد المالك أرضه لأي سبب يصبح الفندق غير مكتمل الأهلية لفقده ميزة رئيسة حصل بموجبها على الترخيص وتتمثل في توفير موقف سيارات خاص بزبائن الفندق.

لكن ذلك لم يكن كل شيء؟
- كما قلت هناك بعض الفنادق التي أهملت تطوير خدماتها وتمادت في تدمير أبجديات الصناعة بما يسيء إلى سمعة البحرين السياحية.
- كلمة “بعض” تفتح المجال لعشرات الأسئلة وتطرح من علامات التعجب أكثر من إشارات الاستفهام.

لماذا لم تعاقب الفنادق التي فقدت مواصفاتها فقط؟ لماذا تم التعميم على الجميع وكأن مرتكبي السيئات يتساوون في الخطأ والخطيئة والعقاب مع الملتزمين بالضوابط والمحترمين للقوانين؟
- هذه نقطة في غاية الأهمية، لذلك تم فتح باب خلفي لإعادة تصنيف الفنادق على أساس موضوعي، من يمتلك المقومات والمواصفات سوف يعاد تشغيله على أساس إما فندق “بوتيك” أي مسموح له بفتح مناهل أو كوفي شوب أو مطعم.. أو إلى فندق عادي يتضمن بعض الأنشطة الترفيهية المراقبة والملتزمة بعادات وتقاليد المملكة.
أنشطة كاملة الدسم
تقول إن من أسباب غلق الأنشطة الرئيسة في فنادق الثلاث نجوم هو أن بعضها لم يتم تأسيسه على أساس أنه فندق لكنه تأسس كبناية سكنية - كيف؟

- صحيح كنا عندما ندخل إلى بعض الفنادق التي تم إغلاق الأنشطة “كاملة الدسم” أي كثيرة العائدات فيها لا يمكننا التمييز بينها وبين البناية السكنية لا من حيث قاعات الاستقبال ولا فيما يتعلق بالمطاعم أو المرافق الأخرى كلها كانت عبارة عن غرف للإقامة تم فتح بعضها على البعض الآخر، حيث لم يكن هناك فرق جوهري بين هذه النوعية من الفنادق والشقق المفروشة.

لكن هل ذلك يبرر إصدار القرار رقم 5 لسنة 2014 في شهر يوليو فجأة من دون مقدمات أو إنذار أو حتى مهلة لإعادة ترتيب الأوضاع؟

- طبعاً لا يصح، لكن الوزارة تقول إنها منحت لهم هذه المهلة عندما ألغت الأنشطة الأساسية بفنادق النجمة الواحدة والنجمتين، وكان من واجب الفنادق استمرار تواصلها مع الوزارة بهذا الشأن.

كان ذلك على سبيل الإنذار، حيث ذكرت الوزارة بالحرف الواحد إذا لم تتطوروا سيكون مصيركم كمصير فنادق النجمة والنجمتين، هل هذا يعتبر إنذاراً؟ وهل يصح أن يبلغ عمر الإنذار خمس أو ست سنوات؟

- لا بطبيعة الحال، إن أي إنذار لابد أن يكون كتابياً، ولابد أن يخصص جهة محددة يتم توجيهه إليها، كما من المفترض أن يتضمن فترة زمنية محددة، وأن يكون واضحاً في عباراته ولا يقبل التخمين أو الخلط أو سوء الفهم.
خسائر بالجملة
هذا الوضع أدى إلى خسائر بالجملة يعتقد البعض أنها لحقت باستثمارات ضخمة تقدر قيمتها بنحو 150 مليون دينار، وأن هذه الاستثمارات فقدت نحو 75 % من قيمتها لتصل الخسائر خلال شهرين إلى نحو 112.5 مليون دينار، ما رأيك؟

- لا أعرف بالضبط حجم الخسائر التي لحقت بقطاع فنادق الثلاث نجوم، حيث إن ذلك يحتاج إلى مثمن عقاري حقيقي وإلى لجان فحص متخصصة، كل ما أعرفه أن قرار وزارة الثقافة كان يسعى لتنظيف سوق الفندقة من التعديات على الأعراف والضوابط وأنه جاء في خلفيته واعتباراته بهدف إعادة الانضباط لقطاع أدمن بعض من يعملون فيه آفة الخروج على النص.
“مقاس الثلاث نجوم”
والحل؟

- لا يمكن أن يكون تفصيلاً على مقاس فنادق الثلاث نجوم وحدها، حيث لابد من أن يكون مراعياً لمختلف متطلبات القطاع من تطوير للخدمات والتزام بالمعايير وانضباط في المعاملات.

وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

- أولاً: عن طريق إيجاد قانون جديد يلائم طبيعة المرحلة، حيث إن قانون العام 1986 جاء لتنظيم قطاعات مختلفة في نشأتها وكينونتها وإمكاناتها عن تلك العاملة في النشاط الفندقي حالياً.
ثانياً: إيجاد هيئة عليا مستقلة أو تابعة لإحدى الوزارات بحيث تضم خبراء ومحترفين في هذه الصناعة.
ثالثاً: إيجاد لجان تابعة للإشراف والمتابعة ووضع المعايير اللازمة لإجراء التصنيف الدوري للفنادق، وأن يكون من حقها الاستعانة بخبراء من الخارج أو بشركات متخصصة.
علاقات خالدة
بحكم خبرتك في قطاع صناعة النقل الجوي، كيف يمكن ربط هذه الصناعة بعالم الفندقة وكيف يمكن إنجاز ما يسمى بتحقيق المنافع المتبادلة بين الطرفين؟

- هذا هو مربط الفرس.. هناك علاقة دائمة الخلود بين صناعة النقل الجوي وقطاعات الفندقة. فالنقل الجوي هو الذي يأتي بالزوار إلى الفنادق، والفنادق بخدماتها المتطورة تستطيع أن تجذب السياح؛ لتكرار تجربة السفر إلى الوجهات التي يتواجدون بها، هي علاقة جدلية بين الجانبين. السؤال هو كيف يمكن خلقها على أسس مثالية؟

كيف؟

- بأن يتم الترويج للفنادق من خلال منافذ البحرين في المطار وجسر الملك فهد. بالنسبة لمطار البحرين الدولي وهو ما تطرقنا إليه في السابق ما زال يحتاج إلى تطوير، حيث إن السعة الحالية للمطار قد حققت اكتفاء ذاتياً لا يمكن الإضافة عليه، وإن الحركة الكثيفة إليه أصبحت تفيض عن طاقته الاستيعابية، لذا وجب إنشاء مطار جديد قادر على استيعاب الحركة المتزايدة لفترات تزيد على الخمسين سنة وأن يكون قابلاً للتوسع باستمرار وقادراً على الوفاء بالخدمات المتزايدة والاحتياجات المتعاظمة للقطاع. هذا الأمر سيشجع شركات الطيران العالمية على الهبوط في البحرين، وهو ما سيساعد على زيادة إشغال الغرف الفندقية ورفع معدلات الطلب على خدماتها باستمرار.