مصر في رمضان "غير"، منذ قدوم شهر رجب وحتى اللحظة، والاستعدادت في كل ربوع "المحروسة" على قدم وساق، لكي يهل علينا الشهر الكريم والجميع في حالة خشوع للحدث الجليل، وخضوع لتعاليم المولى عز وجل.
بشائر الشهر الفضيل بدأت تظهر على الأسواق، على إعلانات الفضائيات وعلى الأغنيات المتواترة بين فواصل المسلسلات ونشرات الأخبار والبرامج.
المطرب الشعبي محمد عبدالمطلب، أو صوت رمضان الغنائي، ما أن نسمعه حتى ندرك بأن شهر الصوم على الأبواب، أو أنه قد دخل علينا بالمسحراتي والمكسرات والكنافة والقطايف والحلويات والمأكولات الشهية.
"رمضان جانا
أهلاً رمضان
قولوا معانا
أهلاً رمضان"
الألحان الخالدة التي قام بتأليفها الموسيقار الكبير محمود الشريف هو الذي جعل للفن الشرقي مهابته وللمقطوعة العذبة جمالها، وللحن الخالد مواصفاته.
رمضان في مصر "غير" لأنه لم يعد مجرد شهرًا للصوم والعبادة، للسهر والهرج والمرج والأكل، بل لأنه سلوكًا وثقافة انطلقت من قاهرة المعز إلى مختلف مدن وقرى مصر، ومن مصر إلى مختلف الدول العربية، المقاهي والمطاعم تسهر حتى الصباح، صناعة "الكنافة اليدوية" تبدأ في الإطلالة علينا من جديد.
البالونات والزينات تكسو الآن كل شوارع مصر، لا تخلو شرفة من شكل هندسي يحمل هلال الشهر الكريم ونجومه المتلألئة تحلق في انسجام منقطع النظير من حوله، الفانوس الرمضاني الشهير، ذلك الذي يبعث في النفوس البهجة، وينير القلوب المعتمة، يتم تعليقه على أبواب البيوت وتزيين الشوارع، يحمله الأطفال ويغنون معه كل مساء "حلو يا حلو .. رمضان كريم يا حلو." هي أيضًا أغنية خالدة منذ مطلع القرن الماضي.
أما المناسك الدينية وقراءة القرآن الكريم، فإن أصواتًا مصرية من السماء تهبط دائمًا علينا، من المذياع تارة، ومن التلفزيون تارة أخرى، من مآذن المساجد الشاهقة، ومن الموبايل فون العصري أيضًا.
أذان المغرب الرمضاني بصوت المرحوم الشيخ محمد رفعت، له نكهته ومذاقه الخاص، هو رمز ودليل على أن الشهر الكريم قد حل، موشحات الشيخ النقشبندي دليل آخر على الشهر الفضيل، الأصوات الملائكية للشيوخ محمود الطبلاوي، عبدالباسط عبدالصمد، محمود خليل الحصري، محمود حسن البنا، أبو العينين شعيشع، مصطفى ومحمود صديق المنشاوي، والشيخ مصطفى إسماعيل وغيرهم، جميعهم .. جميعهم رمزًا ودليلاً سماويًا على قدوم الشهر الفضيل.
أما البيت المصري الذي ما يفرغ من الإفطار حتى يستعد للسحور، وما يفرغ من السحور وصلاة الفجر حتى يجلس رب العائلة مع زوجته ليفكرون فيما يمكن الإعداد له من وجبات فاخرة على الإفطار قبل أن يستيقظوا ويكون اليوم قد مر مرور السحاب.
رمضان في مصر "غير" لأنه يذكرنا بالفقير، بالذين فقدوا أعز ما لديهم، بأهلنا في غزة المنكوبة، يعلمنا الصبر على المكاره، والصلاة من أجل درء المخاوف، يعلمنا الرحمة والكرم، والاعتناء بالنفس وتهذيبها، بالحب وتنقيته من الأغراض الدنيئة، بالوفاء بعد أن أصبح عملة نادرة في زماننا الإنساني غير الخصيب.
رمضان في مصر "غير" لأنه يجمع العائلة حول مائدة واحدة في وقت واحد، وحول سجادة صلاة واحدة في منسك محدد، ووقت واحد، وحول أدعية وقراءات قرآنية جماعية محددة في أوقات متعددة من نهار وليل رمضان الكريم.
مصر لا تنام، حركة الشوارع لا تتوقف على مدار الساعة، المقاهي تبدأ في التشغيل من الإفطار حتى أذان الفجر، كذلك المطاعم الشعبية المشهورة بتقديم وجبات الفول والفلافل وأخواتهما، الأحياء القديمة وأسواقها البديعة في القاهرة الفاطمية، مآذن مضاءة حتى الصباح، مساجد عامرة بالمصلين والزوار والأفراح.
مسجد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه، مسجد السيدة زينب بنت علي رضي الله عنها وأرضاها، مساجد أهل البيت الكرام، ومسجد الجامع الأزهر الشريف، وغيرها في المدن والنجوع، جميعها على قلب رجل واحد، وجميعها على مدار السنة وليس خلال شهر رمضان المبارك فحسب، قِبلة للمصلين، ومنبرًا للمتقين، ومخدعًا للباحثين عن الستر والأمان.
رمضان في مصر "غير" .. وكل عام وأنتم بخير.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |