آيبرية وصراع القوى ودخول العرب مرة أخرى، عنوان يتحدث عن تاريخ مضى كان فيه تنافس اليونان والرومان ومن بعدهم القوط (القوط من أرومة جرمانية) على ممالك قرطاجة في شبه جزيرة آيبريه والذي انتهى فيها نفوذ قرطاجة. هذا التداول على آيبرية امتد زمن حتى دخول العرب المسلمين في مشهد تاريخ قل مثيله في دولة الأندلس.
والحديث عن هذا التاريخ القديم تذكر المرويات؛ أن اليونان الجبليّة كانت الأسرع انتشاراً خارج حدودها بسبب حاجتها إلى المناطق الزراعية لإطعام عدد متزايد من السكان، وبين 750 و550 ق.م تم لها إنشاء مستوطنات عدّة في جنوب إيطاليا وشرق صقلية وبعض مناطق اسبانيا الشرقي خصوصاً أميرياس (اميروش كما يسميها العرب) ودانية (دانة). تلك الحقبة الزمنية نهضت في اليونان جمهوريات مدائنية متنافسة أشهرها "اثينا واسبارطة وطيبة"، ولم تتمكن هذه الدويلات أبدا من الإتحاد، فاشتبكت اثينا مع اسبارطة نتيجة الخلاف حول صقلية فهُزمت اثينا، ثم جاء دور طيبة فهزَمت اسبارطة ثم جاء الاسكندر المقدوني (الأكبر) فهزم طيبة وأستبعد أهلها عام 335 ق.م، وبسط نفوذه على اليونان قبل أن يبدأ بعد عام من ذلك غزو بلاد بابل التي كانت ترزح تحت حكم الفرس، ويستطيب المكان له فيظل فيها إلى أن يموت بالحمى وقيل أيضا مسموماً.
أما تأسيس روما، وأسمها مأخوذ من كلمة ruma الإتروسكية، الحضارة اﻹتروسكية هي من شعوب آسيوية توطنت توسكانا، وتعتبر اللبنة الأولى التي شيدت عليها حضارة روما وبلغت ذروتها عام 500ق.م. روما بدا دورها في الظهور عندما حاول التجار الرومان زيادة نشاطهم في البحر الأبيض المتوسط فاصطدموا على الفور بالقوة البحرية الهائلة التي ملكتها قرطاجة. هنا تطورت المنافسة بين الطرفين إلى نشوب حرب شاملة بدأت عام 264 ق.م حول صقلية التي هي مفتاح الطرق البحرية بين شرق البحر المتوسط وغربه.
الرومان بعدها اهتموا ببناء أسطول كبير لنقل جنودهم إلى قرطاجة ومحاربتها، لكن القرطاجيين آنذاك انزلوا بهم عدة هزائم منكرة عام 255 ق.م. وبعد 14 سنة أستطاع الرومان في معركة بحرية وقعت قرب صقلية تحطيم أسطول قرطاجة بفضل اُسلوب قتالي استخدموا فيه الكلاليب لمنع السفن القرطاجية من الفرار، وانتهت الحرب عام 241 ق.م عندما رضخت قرطاجة لمطالب الرومان فتخلت لهم عن صقلية التي أصبحت أول اقليم روماني خارج إيطاليا.
حينها برز على المشهد القرطاجي هنيبعل الذي تعلم من والده فنون القتال، وكذلك تعلم منه أيضا كره الرومان. ويُقال إن هميلقار استحلف أبنه هنيبعل أن يديم العداء لروما طول العمر لكن سلوك روما وحده كان كافيا لاستمرار هذا العداء، إذ خرقت الاتفاق مع قرطاجة باحتلال جزيرتّي كورسيكا وسردينيا، فسعى هميلقار إلى تعويض تلك الخسارة بمد سيطرته على شبه جزيرة آيبريه.
عام 221 ق.م أصبح هنيبعل قائدا عاما لقوات قرطاجة، وتوجه إلى روما في رحلة أسطورية قاد فيها جيشا قوامه 50 ألف راجل، وتسعة الألف خيّال و37 فيلا فسلك الطريق المحاذي لساحل شبه جزيرة آيبريه الشرقي ثم عبر جبال البيرينيه لجبال الالب وهبط إلى سهل"بو Po" شمال إيطاليا. لكنه في هذه الحملة فقد عدد كبيراً من جيشه من شدة البرد، واشتبك مع القبائل في طريقه وضم قبائل الغال (فرنسا حالياً) معه لكُرهِهم للرومان.
كان وصول هنيبعل إلى شمال إيطاليا مفاجاة للرومان فبعثوا إلى جيشهم في صقلية للعودة فورا لكن هنيبعل نصب له كميناً وهزمه، فاتجه إلى روما عام 217 ق.م حيث لقن الإمبرطورية الرومانية أعظم مقتلة وهزيمة في تاريخها. بعدها توطن هنيبعل جنوب إيطاليا 13 سنة عقد خلالها عددا من التحالفات مع مقدونيا وغيرها.
تردّت أحوال هنيبعل بعد عدة معارك في مواقع في شبه جزيرة آيبريه التي مولها وجيشّها حلفاء روما خصوصا هزيمته في معركة "زامه" عام 202 ق.م. توجه هنيبعل بعدها حينما خسر قرطاجة إلى سورية وعمل في خدمة الدولة السلوقية التي كانت تحكم هناك وقائدها المقدوني انطيوخس الكبير، ومات هنيبعل مسموما شمال غرب تركيا على البحر الأسود في بيثينة.
الرومان تمكنوا من إحراق قرطاجة، وقيل كذلك في بعض الرويات التاريخية أنهم رشّوا الأرض بالملح حتى لا تقوم لقرطاجة قائمة مرة أخرى. وباعوا جميع الناجين عبيدا وأغلقوا دفتر تاريخ على واحدة من أعظم الأمم المشرقية التى عرفها العالم آنذاك.
فما فعل الرومان في آيبريه؟
بسط الرومان سيطرتهم على مناطق واسعة في شبه جزيرة آيبريه لكن إخضاع السكان الأصليين تطلّب حروبا متقطعه استمرت 300 سنة وخلال عهد الرومان عُرفت شبه جزيرة آيبريه باسم "اسبانيا"، وقُسّمت البلاد وقتها إلى خمس مقاطعات، ونعمت البلاد في وقتهم بالرخاء الاقتصادي والنفوذ السياسي والتأثير الفكري. اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية أربعة من الأباطرة الذين ولدوا في اسبانيا، ووصلت الإمبرطورية الرومانية الى أوج عظمتها في المئتين الاولى والثانية الميلاديتين عندما أكملت سيطرتها على كل سواحل البحر الأبيض المتوسط واسبانيا وفرنسا وجنوب أوربا.
وما أن أطل القرن الرابع ميلادي حتى بدأت هذه الامبراطورية في التآكل بفعل الفساد والفحش والمغالاة والظلم التي هي علامات الاستبداد المطلق، وتسارعت نهايتها فأصبحت أطراف الإمبراطورية عبئا كبيرا على جسدها. هنا استعدت القبائل الجرمانيه وهم قادة جيوش وعسكر، فتمكنوا منها واعتلوا عرشها مما أحدث الاضطرابات. عندها نقل الإمبراطور قسطنطين (307-337) م عاصمة الامبراطورية إلى بيزنطيوم(بيزنطة) عام 330 م، واختار أسم قسطنطينويل(القسطنطينية) تيمّنا بنفسه. لم يكن يفكر في شطر الإمبراطورية الرومانية الغربي إلا أن هذا ما حدث بالضبط.
عام 395م ترنّح الشطر الغربي من الإمبراطورية الرومانية نحو قرن من الزمن، ثم هوى تحت أقدام التاريخ واضمحل، وورث الشطر الشرقي اي الإمبراطورية البيزنطية قسما مهما من ممالك الإمبراطورية الامّ فنما كيانا حضارياً وفكريا وعسكريا غربيا في روح وديانة شرقيتين، وبسط هذا الشطر نفوذه على العالم القديم حتى خرج إليه العرب المسلمين من شبه الجزيرة العربية واحتلوا معظم ممالكه. ثم جاء العثمانيون من بعدهم فسددوا ضربة قصمت ظهر بيزنطة باحتلال القسطنطينية عام 1453م، وطوى المشارقة الأتراك بذلك دفتر التاريخ مرة أخرى على صفحة إمبراطورية أوروبية هائلة. وهكذا كان التدافع كما تم للرومان في إنهاء المشارقة القرطاجيين قبل ذلك بنحو 1600 سنة. بعدها أستمر المشهد التاريخي فيما يتصل بايبريه ودخول العرب المسلمين إليها، ومجابهة القوط حكامها، وهذا له تفصيل لاحق.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |