العدد 6000
الأربعاء 19 مارس 2025
خربشة ومغزى.." آيبريه.. تاريخ للعرب ممتد"
الأحد 09 فبراير 2025

آيبريه هي شبه جزيرة سُميت في القديم نسبة إلى نهر "إبرو"، أو إلى قبائل كانت تسكن حول هذا النهر، ثم عُمّم أسمها على كل شبه الجزيرة من واقع انتشارها في أرجائها، وهي الآن تتكون من اسبانيا والبرتغال وأندورا وجبل طارق.

أطلق اليونانيون أسم"اشبانيه" إما نسبة إلى رجل كان ملكها في القديم يدعى "أشبان بن طيطش"، أو نسبة إلى شعب بهذا الاسم، أو اشتقاقا من اللفظ الفينيقي"سبان" الذي يعني ساحل أو بلاد الارانب، وكانت شبه الجزيرة غنية بها.

والمعروف تاريخياً أن الفينيقيين وهم هم أول الشعوب المتحضرة التي نزلت في هذه البلاد، والفينيقيون أو الكنعانيون هم قبائل جزرية أي من جزيرة العرب، وهنالك من يُطلق عليهم اعتباريا أنهم فرع من الساميين.

والساميون أسم مشتق من سام بن نوح وهي تسمية لغوية، وأول من أستعمل هذا الاصطلاح مطبوعاً، هو الباحث أوجست لودفيج شلوتسر (August Ludwig Schloester)، في مقال له عن "الكلدانيين"، في عام 1781م؛ الذي أورده أيشهورن (Eichhorn)، وكذلك يطلق على من يتكلم السامية التي تضم؛ الآشورية، البابلية، الكنعانية (اي الفينيقية)، الآرامية، العبرية، العربية، الحبشية. وقد تشابهت هذه المجموعة اللغوية فيما بينها.

يجمع المؤرخون أن الجنس الكنعاني (الفينيقي) وفد إلى الإقليم السوري من بلاد العرب في هجرة واحدة مع الأموريين في حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، حيث أخذ الأموريون يتجولون في شمال سورية ثم أستقر بهم المقام في أواسط الفرات، بينما أستقر الكنعانيون على الساحل واشتهروا فيما بعد باسم الفينيقيين.

ونظرا لما عرف عنهم من مهارة الملاحة فإن بعض الباحثين يرى أنهم جاءوا أصلا من مكان ما في شبة الجزيرة العربية يطل على البحر حيث اكتسبوا هذه المهارة مثل؛ سواحل البحر الأحمر أو الخليج العربي قبل أن يفدوا إلى الساحل السوري. هؤلاء الفينيقيون كان لهم شأن في تأسيس حضارات، وهم أول من أخترع نهاية الألف الثاني قبل الميلاد (تقريبا 1200 ق.م) الحروف الهجائية، وعن الفينيقيين أخذ الإغريق القدماء الهجائية وبعدها اخذتها سائر الشعوب.

وأشتهر الفينيقيون ببناء المدن وإتقان صناعة السفن والإبحار والتجارة من المدن التي أسسوها وكان لها أثر "بيبولس وصيدا وصور"في لبنان و"قرطاج " قرب تونس التي اندفعت في العمق الأوربي بمستوطناتها.  

ولهذا يعتبر تاريخ الفينيقيون وأثرهم في الجغرافيا شرق وغرب البحر المتوسط له أهمية لفهم مجريات تاريخ العالم القَديم. وهذا هو السبب لهذه التوطئة في الحديث عن آيبريه. من أهم القادة الفينيقيون الذين لهم أثر هو هنيبعل الفينيقي الذي كان يصغر الإسكندر الأكبر المقدوني بسبع سنوات. هنيبعل هذا ركب إلى جانب والده "هميلقار برقا "ملك قرطاجة في أول معركة في حياته لإخضاع القبائل العاصية في شبه جزيرة آيبريه، وكانت المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة مألوفة لهميلقار.

ومنذ نحو عام 1100 قبل الميلاد نزل الفينيقيون أجداد القرطاجيين تلك المناطق، وبنوا عدد من المدن التي كانت عامرة في زمن هنيبعل مثل؛ قادس وعدره ومالقه وطرشيش. بل ممكن في قول بعض المؤرخين ربما كانت أيضا الاسم الذي أطلقه الفينيقيون على المنطقة التي تعرفها اليوم بالأندلس الصغرى أو اندلوثيا.
أما ما أطلق المسلمون على تلك البلاد بإسبانيا فهو أسم الأندلس. وقد عرَّبوا الاسم من لفظة الاندليش الذي تسرب إليهم من المغرب عبر البربر، وهو يعني بلاد الوندال نسبة إلى القبيلة الجرمانية التي غزت اسبانيا في منتصف القرن الخامس ميلادي، واستقرت في سهلها الجنوبي وصار يعرف بفالدنولسيا. وهو أول ما فتحه المسلمون من شبه الجزيرة ويضم قرطبة، غرناطة، وإشبيلية، ومالقة، المرية.

ورجوعاً إلى تاريخ ما قبل الميلاد وفي نحو عام 850 ق.م الذي كان له أثر في  آيبريه لا بد من استيفاء تاريخ قرطاجة، وكيف تشكلت، ودورها في تلك الجغرافية المرويات تذكر؛ أبحرت الأميرة ديدون أو إليسا من صور على ساحل الشام هرباً من جور أخيها الملك "بيغماليون"، وأسست "قرطاجة" قرب العاصمة التونسية حالياً، فصارت مركزاً هناك لتنطلق منه السفن لحماية المستوطنات الفينيقية التي كانت تنتشر في القسم الغربي من البحر الأبيض المتوسط، وواكب بروز قرطاجة تراجع أهمية مدينة "صور" منذ القرن السادس قبل الميلاد، وبدأت أهمية قرطاجة في العالم القديم، فأصبحت قرطاجة تملك أهم المستوطنات في المنطقة، ومركزا اساسياً لحماية المستوطنات التابعة التي كانت تدير مراكز تجارية، ومنها التي انتشرت على السواحل المغاربية وفي جزر مثل صقلية وسردينا وميورقه ومنورقه، والمناطق الجنوبية والشرقية من اسبانيا، وأضاف القرطاجيون إلى المدن الفينيقية القديمة في آيبرية عدداً من الحواضر الجديدة مثل؛ قرطبة وإشبيلية وقرطّية التي عرفت أيام الاندلس باسم "برج قرطجنة". 

هذا التاريخ القديم لقبائل جزرية، من جزيرة العرب، في شبه جزيرة آيبريه كان قبل بروز اليونان والرومان خلال القرن الثاني من عمر قرطاجة أصلها (Grat Hadasht)، وهما قوتان بدأت تنموان متزامنتين تقريباً إلى الشمال الشرقي من تونس، وبعد سلسلة تحولات وتدافع بين القوى إلى تاريخ الفتح العربي الإسلامي للأندلس، وهذه سرديه قد يضمها تفصيل لاحق.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية