من المهم تسليط الضوء على موضوع الاستدامة لِما يضم في طياته الكثير من الايجابيات وايضاً الكثير من التحديات التي تهم جميع شرائح المجتمع، دعونا في البداية نتحدث مع أنفسنا قليلاً ونقوم بعملية العصف الذهني، كيف أصبح هذا الموضوع في الوقت الراهن مهم جداً سواء على مستوى الحكومات والمنظمات والافراد؟ وهناك الكثير من الأمثلة عبر التاريخ البشري، حيث قامت الكثير من الحضارات بشكل مباشر أو غير مباشر على تدمير بيئتها الايكولوجية (الموارد الطبيعية) وأثرت بشكل خطير على فرص البقاء، وتأخذ الاستدامة بالاعتبار كيف نعيش باتساق مع عالم الطبيعة وحمايته من التدمير والإتلاف.
إن تاريخ الاستدامة هو رحلة رائعة تتشابك فيها الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، دعونا نستكشف كيف تطور هذا المفهوم مع مرور الوقت.
أيام ما قبل الصناعة: حتى قبل الثورة الصناعية، كانت هناك علامات مبكرة على التدهور البيئي، ورغم أن التأثير كان أقل مقارنة باليوم، إلا أن تلوث الهواء والماء أصبح جلياً للعموم!
ثورة صناعية: مع تحول المجتمعات وتقدم التكنولوجيا خلال الثورة الصناعية، كان التقدم له تكلفة، وأصبح التوزيع غير العادل للثروات، واستغلال المواد الخام على نطاق عالمي، وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، واضحاً، واجهت البيئة تحديات كبيرة وبدأت المناقشات حول الاستدامة في الظهور.
نقطة تحول على الاستدامة (السبعينيات): كانت السبعينيات بمثابة عامل مهمّ ومحوري يطرأ في هذا المجال، حيث أدت المخاوف بشأن التدهور البيئي، واستنزاف الموارد، وتأثير ذلك على الأجيال الحالية والقادمة.
الخمسين سنة الماضية: أصبحت الاستدامة مصدر قلق عالمي، وضعت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة في عام 2015، ووضعت أجندة عالمية للتنمية المستدامة بموعد في نهاية عام 2030. وأصبح فصل النمو الاقتصادي على المحك، وأصبحت الدول تقوم بخلق حلول للحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية.
الآن: موضوع الاستدامة أمر مُلح، حيث أن تأثير تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتفاوتات الاجتماعية أدى إلى اتخاذ إجراءات فورية من الدول والمنظمات العالمية، إن كلمة "مستدامة" تستخدم الآن على نطاق واسع كنوع من التطور الحضري للمجتمعات والدول الراقية، ولكن جذورها تعود إلى مناقشات في الماضي، وقد مر تاريخ الاستدامة بثلاث مراحل اساسية: المرحلة الأولي هي الحدود البيئية العالمية المعترف بها، المرحلة الثانية هي التنمية المستدامة بيئيا، المرحلة الثالثة هي التركيز على التحديات البيئية العالمية الكبرى.
وانبثق من هذه المراحل عدة مبادرات محورية، مؤتمر الأمم المتحدة في ستوكهولم لفحص المشاكل البيئية وتحديد تلك المشاكل التي تتطلب التعاون الدولي لحلها سنة 1972، كما طرح موضوع الاستدامة في تقرير مجلس الكنائس العالمي 1974، أما تقرير برونتلاند (Brundtland Report) والذي قام باتفاقية مونتريال بشأن إغلاق الثقب في طبقة الأوزون 1987، بعدها تم عقد قمة الأرض في "ريو دي جانيرو" سنة 1992، ثم اتفاقية "كيوتو" بشأن تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنة 1997، بعدها تم اعتماد أهداف التنمية الألفية "للأمم المتحدة" سنة 2000، وتليها قمة "ريو+20" سنة 2012، ثم اتفاقية باريس بشأن إجراءات تغير المناخ سنة 2025.
وتجذر الإشارة إلى إن الأهداف 17 تتكون من 169 غاية مرتبطة ومتكاملة بها وغير قابلة للتجزئة وهي تهتم بعدة أمور سامية حيث أنها تندرج تحت 3 مرتكزات اساسية، الأول المرتكز البيئي (Environmental Piller)، الثاني المرتكز الاقتصادي (Economic Piller)، والثالث المرتكز الاجتماعي (Social Piller)، ويحمل كل هدف عنوان يسعى إلى تحقيقه في إطار معين، ونسرد هذه الأهداف كما يلي: الهدف 1: القضاء على الفقر، الهدف2: القضاء التام على الجوع، الهدف 3: الصحة الجيدة والرفاه، الهدف 4: التعليم الجيد، الهدف 5: المساواة بين الجنسين، الهدف 6: المياه النظيفة والنظافة الصحية، الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، الهدف 8: العمل اللائق ونمو الاقتصاد، الهدف 9: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، الهدف 10: الحد من أوجه عدم المساواة، الهدف 11: مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، الهدف 13: العمل المناخي، الهدف 14: الحياة تحت الماء، الهدف 15: الحياة في البر، الهدف 16: السلام والعدل والمؤسسات القوية، الهدف 17: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
هذا وفي سنة 1992 وضع البنك الدولي ما يسمى نموذج مخزون رأس المال للتنمية المستدامة، والذي مفاده: بأن مخزون رأس المال للتنمية المستدامة = مخزون رأس المال البيئي + مخزون رأس المال الاقتصادي + مخزون المال المجتمعي.
هنا سوف نستعرض أكثر من تعريف وكل واحد منها يحمل في طياته مضامين متشابه خاصة بالتنمية المستدامة:
الأول: معنى كلمة الايكولوجيا، علم يدرس علاقة الكائنات الحية فيما بينها وبين بيئتها الطبيعية التي نعيش فيها.
الثاني: التنمية المستدامة، هي التنمية التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية لتحسين واستغلال الموارد المتاحة لتلبية حاجيات الأفراد مع الاحتفاظ بحق الأجيال القادمة.
الثالث: التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الاضرار بمقدرات الأجيال المقادمة وذلك على تلبية احتياجاتهم.
هذا ويُعزى اهتمام حكومة البحرين بهذا الشأن هو أمر ومطلب عالمي للدول المتحضرة، والجذير بالذكر فإن البحرين استحدثت وزارة التنمية المستدامة في تشكيلها الوزاري الأخير، وقد تأسست الوزارة في 13 يونيو 2022.
هذا وقام المسؤولون على رأس الحكومة برسم خطة العمل الحكومية من خلال الرؤية الاقتصادية 2030 والتي تم إطلاقها في عام 2008، وهي خطة استراتيجية طويلة الأمد للتنمية الاقتصادية للبحرين، وتستند الرؤية إلى ثلاث مبادئ رئيسية: الاستدامة، والعدالة، والتنافسية.
الاستدامة: تهدف الرؤية إلى ضمان استدامة التنمية الاقتصادية للبحرين في المدى الطويل، هذا يعني أنها يجب أن تكون صديقة للبيئة، ومسؤولة اجتماعياً، واقتصادياً قابلة للتنفيذ.
العدالة: تهدف الرؤية إلى إنشاء مجتمع أكثر عدالة في البحرين، وهذا يعني أن الجميع يجب أن يكون لديه الفرصة للنجاح، بغض النظر عن خلفيتهم.
التنافسية: تهدف الرؤية إلى جعل البحرين اقتصاداً أكثر تنافسية، وهذا يعني أنه يجب أن تكون قادرة على خلق بيئة تجذب الاستثمار، وتوفر فرص العمل، وتحافظ على النمو الاقتصادي.
تتماشى خطة الحكومة مع الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 وأهداف التنمية المستدامة، وتهدف إلى البناء على المكاسب التي حققتها الحكومة والمواطنين، كما جاء في موقع حكومة مملكة البحرين – دليل المعلومات 2024.
هدف جديد:
التقدم بمبادرة لهدف جديد يحمل رقم 18 عبر الجهة المختصة أو المعنية، بحيث يندرج هذا الهدف تحت المرتكز الاجتماعي (Social Piller)، وهو يعتني بمنصات التواصل الاجتماعي وتوابعها، حيث لها دور واضح في رقي المجتمع أو تدهوره، وذلك من خلال تصفية (Filter) المحتوى الهابط والذي يقوم على هدم ما بنته وغرسته الأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات المجتمع سواء كانت حكومية أو أهلية من قيم ومبادئ تعزز رقي الانسان في مجتمعة الأم، ويمكن أن يسمى "مجتمع يسمو بالمبادئ والقيم"
ندعو رواد الأعمال إلى إطلاق مشاريع ريادية ومبتكرة تسهم بفعالية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030. ليتم ذلك من خلال تبني استراتيجيات وأفكار إبداعية تلبي احتياجات الحاضر مع الحفاظ على موارد وفرص الأجيال القادمة، مما يعزز الاقتصاد الوطني ويدعم التحول نحو مستقبل أكثر استدامة وشمولية للجميع.
وختاماً، نطرح هذا السؤال المحوري: هل نحن مستعدون كشركاء للانطلاق في رحلة الاستدامة لبناء مستقبل واعد ومستدام؟
*أكاديمي بحريني
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |