اللغة العربية بين أماني وواقع، مقال يصادف إحتفاء عالمي بلغة الضاد ويومها 18 ديسمبر من كل عام، وذلك منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة العربية عام 1973م ضمن اللغات الرسمية الأممية واليونسكو، وهذا لما للغة العربية من إسهام مستمر في الثقافة والعلوم. الإحتفالية بدأت عام 2012م، ضمن برامج حوارية تدور حول اللغة وثرائها وتحدياتها، وما هو محفَّز للإبداع الإنساني.
اللغة العربية هي منبر علم لا تنطفئ جذوته، وموروثها عابر للأزمان والجغرافيا والبشر. وهي مُلهمة لأهلها وطالت المستعربين والدارسين. حتى يقول عنها المستشرق الفرنسي ماسينيون المُتوُفّي عام 1962م أن؛ باستطاعة العرب أن يفاخروا غيرهم من الأمم بما في أيديهم من جوامع الكلم التي تحمل من سمو الفكر وأمارات الفتوة والمروءة ما لا مثيل له. وكذلك وليم مرسيه المُتوُفّي عام 1956م في وصفه؛ إن العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور. وبالمثل "كازانوفا " المُتوُفّي 1926م في فقه اللغة العربية له وفير كلام، ويُعتبر الرائد الأول الذي وضع أساس الدراسات العربية في الجامعات الاوربية. ومثلهم كان سابق الألماني"رايسكة" المُتوُفّي عام 1774م والذي سمى نفسه "شهيد الأدب العربي"، بعد ان أوقف حياته كلها على دراسة اللغة العربية والحضارة الإسلامية. وهذا الاهتمام عند الألمان أمتد إلى وقتنا الحاضر.
اللغة العربية بين الأماني والواقع، حاله نعيشها في أيامنا حينما بلغت العولمة ذروتها، وأمتد التطور التقني والرقمي في مناحي حياة المجتمعات، وتوليد وفرة مصطلحات، أدخلت رطانة واستلهام بعيدا عن معين مفردات العربية، بل هناك تحدي لسلاسة تعبير منها. وهذا بالغ أثره على كوكب الأرض سواء العرب أو لغات الأمم.
هنالك ظاهرة تذهب إليها بعض التراجم للعربية، فيها مكننة ألفاظ دونما ترطيب فيه نغم دلالي يقابل كُنه مفردة ومصطلح أجنبي، فتتقوقع الترجمة في إطارات غير وافية حيث تذهب ريح أصوات رنينها جزالة، فلا تدق السمع مثل قارئها بلغة الأم. وهذا يصيب التراجم بعمومها سواء من العربية أو لها. ولهذا إحتراف علم اللسانيات Linguistics له جليل تفصيل عن اللغات ومساربها واخاديدها، بل فيما يقترب ويبتعد في لحن ودلالة المفردة وفق الذائقة اللغوية.
ولهذا اللغة العربية لابد لها أن تكون مفتوحه للمُستعرب من القول كما كانت من قبل تأخذ وتعطي خصوصا فيما هو ماثل للعصرنة وما دخل فيها لتيسير نمو المعاجم اللغوية العربية. والعرب مناط بهم العمل على زخم تفعيل لغتهم وأدراك مكتسباتها وتنافسيتها الوجودية، دونما عملقه أو خيلاء، وتعاطي هروب للامام.
هنالك كُثر من متحدثينا في مؤتمرات وحوارات وبعضها رسمي لا تكون العربية لسانهم، بل يتمرغ بالرطانة دونما لزوم، وأحيانا هي خارجه عما يتطلبه مقام الحال أو ضرورة الملابسات التي تُقدر بقدرها. وهذا ليس فيه تعميم، إذ البعض يجيد ويفخر بفصاحته وتبيين لغته العربية. التحدث بالعربية جدية احتفاء وتوافق مع هو مطلوب في لوائح التكاليف الرسمية. ومثال أخر تُطاله زفرات وضمور آهات ما ترى للحرف العربي إستخدام او إحترام في بعض مسميات لشركات وحوانيت وإعلانات وغيرها، والطرق ناطقة بهذا.
الأمم لا ترقى إلا بهويتها ولغتها. ومن يلحظ طواحين التدافع وسياقات حضارات التاريخ القديم والحديث يعلم أن اللغة هي علامة علو وتربع أمجاد ووسيلة تواصل ووجود مع الأخر. هذا أمل معقود على البلدان العربية ونُخبها وجامعاتها وأعلامها لتفعيل منهجية، وتأسيس مبادرات وعصرنة معاجم، وتوائم مع متغيرات الاجيال، لتكون اللغة العربية هوية فخر وعز قادرة، لها تنافسية تُلهم وتستلهم.
الدكتور زياد الدريس المندوب الدائم السابق للمملكة العربية السعودية في منظمة اليونسكو قال؛
-لم يسجل التاريخ الإنساني القديم أو الحديث أن حضارة قامت بغير لغتها.
-المدخل الحقيقي والفعّال لرفع مكانة اللغة العربية، ليس في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |