العدد 5960
الجمعة 07 فبراير 2025
banner
خربشة ومغزى.. "القراءة ،، تزيد الحياة عمقا"
الإثنين 26 أغسطس 2024

القراءة تزيد الحياة عمقا، هذه عبارة من سياق قول عباس العقاد حينما ذكر؛ “القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب”

ولكثرما كانت القراءة رافد للكتابة، وهما كذلك اي القراءة والكتابة يُكملان بعضهما، ويدفعان للتأثير. وبهذا كان العقاد يوصف حاله بهما؛"أنهما يشعرانني بأني أعيش حقاً في هذه الحياة، بروح حالمة، وعقل متزن، وقلب شغوف عند كل ضائقة وألم".

ويزيد في هذا المعنى كذلك؛

"وأول كتاب سيفتح لك الأفق هو كتاب الله "القرآن الكريم" لمَ فيه من تعاليم وتجارب وقصص ومعاني وكلمات عديدة يرويها هذا الكتاب السامي حيث يجعل عقل الإنسان أقوى، ويصبح ذو قلم متين لا يستطيع الاستغناء عنه أو الوقوف بوجهه، إضافة إلى الكتب التعليمية المفيدة والروايات ذات التجربة العميقة التي ستجعلنا نبحر في عالم لم نكن نحلم به".

العقاد أستلهم من القراءة والكتابة وهج شهرة وامتداد أثر، منها ما تميز في العبقريات، وهي تآليف مضمونها يُحاكي سِيَر وتراجم بذائقة أدبية. وهو كذلك مُبدع في كثير من تصانيف تعدت ثمانين مؤلف، وهذه بعضها؛ عبقرية محمد، عبقرية خالد، عبقرية عمر، عبقرية علي، عبقرية الصديق، مراجعات في الأدب والفنون، أبن الرومي، أبو نواس. أما في الشعر له سجالات ومخاض مع بعض الأدباء والشعراء ممن عاصر، في محاولة تجديد وخروج عن نسق قوالب معروفه.

اللغة الحارة في الكتابة أحيانا دلالة صدق ومعياره، والصدق حلقة الوصل بين النص والكاتب، وغالبا ما تتحول ذات الكاتب إلى نص، والكلمات هي اجنحة طائرة تطير حال نطقها ولا يبقى منها حتى الصدى، وعدم تدوينها على الورق هو كلام يطير في الهواء. والكتابة والقراءة بهما يتم التأثير والاستكمال، والخروج من قفص الجهل والتخلف.

أما القراءة تكون لذتها في الصمت، وتنزه وحوار مع عقول من كتبها، ومن تدبَّر ما يقرأ تملئه نصوص بافكار ومعارف تضفي عليه حبور، وتجسيد معالم تُؤرشف بالذاكره. وإذا طال تأمل القارئ، تُغرقه موجات فيها أُنس عفوي كقطرات ندى على ورق شجر، وهذه حالة قد تأتي أهل الشغف.

المأمون حين سئل عن ألذ الأشياء فقال؛ التنزه في عقول الناس. ومغزى القول هو؛ مطالعة مؤلفات الأخرين مثابة استمتاع معرفي وإطلاع على تجاربهم. ولرنينيه ديكارت الفيلسوف الفرنسي مُتوفيّ عام 1650م قول؛ أن قراءة الكتب الجيدة هي بمثابة التحاور مع اعظم العقول التي عاشت عبر العصور الماضيه.

القراءة تبدأ بالعينين لأن نور العينين أكثر الحواس حدة، والعلماء مند القِدَم يعتبرون البصر أهم الحواس في الحصول على المعرفة، حيث الأحرف يراها بواسطة حاسة البصر، ومن خلال مختبر جسم الإنسان تتحول فيها الأحرف إلى كلمات ذات معاني، والصور المرئية بألوانها إلى دلالات مفهومه كلّ ذلك ممكن أن نطلق عليه فعل القراءة.

أما الدماغ والقلب فهما مثابة الحارس الأمين لكل ما تخزنه حواسنا في الذاكرة، وأن بقية الحواس كالسمع والشم والذوق واللمس، بالاضافة للبصر كلها موجوده في مستودع واحد فقط في الدماغ. ذلك المستودع الذي فيه الذاكرة ينطلق منه التخيل والأحلام.

ابن الهيثم العالم الموسوعي البصري تُوُفيّ عام 1040م، ذكر أن هناك إدراك عادي يحدث بصورة لا واعية أو غير إرادية، مثل ما يرى الإنسان الضوء عبر النافذة والكيفية التي يتغير فيها النور في فترة العصر. وهذا أدراك حسّي يتطلب فعلا معينا واع يقوم به البصر من أجل فك الرموز أو القراءة التي يراها.

فعل القراءة عملية معقده إتمامها يتطلب تنسيق بين عمليات الاستدلال والاستنتاج والتذكر والتعرّف. والقراءة بصمت توفر علاقة هادئة مع الكتاب والكلمة، وتوفر وقت ومجهود يحتاجهما الذي ينطق ويرفع صوته بالقراءة. قراءة الصامت تسبح المعلومه داخل القارئ، أو ربما تجثم في موقع ما في إدراكه، يخالطها التلذذ والتمعن وإيقاع الكلمات حتى يقول القارئ :

أتمرس بقراءة الصمت من أجل أن تملئني النصوص التي اقراءها نشوة، وتغرقني دون توقف موجات فرح فيهدأ حالي إلى ما يُشوق حتى ينطق الحال.

أُقلِّبُ كُتباً طالما قد جمعتُها

وأفنَيتُ فيها العينَ والعينَ واليدا

إذا ما كتاب الوجد أشكل سطره

فمن زفرتي شكل ومن عبرتي نقط

عصرنا حفل بنهضة تقنية لها قيمة معرفية خصوصا في مضمار المكتبات الإلكترونية وتصفح الكتب من خلال الشاشة. وهذه الظاهرة تستميل كثير من البشر، بل أصبحت سائدة فيما تزخه منصات وتطبيقات. وفي هذا المشهد هنالك آفة لبلوغ المعلومه دونما بحث واستبصار، وقبول اختزال بلا تفصيل وإشباع، ومع الزمن ربما تتشكل هشاشة معرفية، ونزعة سطحية تندس في الأذهان والأجيال. هذا ما قد يراه البعض تحدي، مقابل من يألف مسك الكتاب وتصفحه، ولمس ورقة ومصاحبته حتى إذا أنتهى من قراءة كتاب تُحفر عنده أخاديد في الذاكره، ويستعيد إذا نظر إلى كتاب مقروء في الرف كأن همس يأتي من سطوره. ولعل أحدهم يقول؛ أنا من ذاك البعض الذي تطفئ نظره رسم الصفحة لا وهج الشاشه.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية