العدد 6000
الأربعاء 19 مارس 2025
خربشة ومغزى.."الرُّمْحُ غالي والفريسةُ ذبابة"
الأحد 21 يوليو 2024

الرُّمح غالي والفريسة ذبابة، مثل تقوله العرب لوصف من تكون خسارته أكثر من منفعته. والرمح في التراث العربي له مكانة وأثر كحال السيف والخيل. وهو ظل للضعيف وانتصاف له من الظالم، وإرهاب للعدو وردعه. والرُّمح كذلك كناية عن الدَّفع والمنع، وكان يِقال لأبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب مُلاعب الأسنَّة لفروسيته وشجاعته، وهو عم لبيد بن ربيعة شاعر المعلقات المخضرم حيث وصفه كذلك مُلاعِب الرِّماح.

هنالك مؤلفات عديدة عن الرماح كثرت على مر العصور، منها كتاب السَّماح في أخبار الرِّماح لجلال الدين السيوطي وهو تحفة بمضمونه وأوصافه وأشعاره. ذكر عن دبيس الضرير المدائني وهو من أعيان الأضراء الشعراء هذه الأبيات؛
وفي قدود الرماح السُّمر منعطف
وفي خدود السريجيات توريد
تغنت البيض فاهتز القنا طربا
مثل اهتزازك إذ يدعو بك الجود 

هكذا الرُّمْح سلاح حرب في النزال يُمكَّن صاحبه من ردع الخصم حتى يُقال رمحه يرمحه رمحا أي طعنه بالرُّمح. 
ومعنى المثل في عنوان المقال الذي فيه الرُّمح غالي والفريسة ذبابة؛ هو استعارة ومجاز لمن يبذل وقته وجهده في ردّ على من لا يستحق الالتفات إليه، كالذبابة ضعيفة لا تليق فريسة للرمح؛ أي لا تَساوي بين الأداة والفريسة، وهذا حال الجهد الضائع في الأمر التافه، لأن الخسارة في المضي فيه أكبر من المنفعة. 

وهنالك بعض ملامح للمثل منها؛ 
. أن في حياة البشر الواقعية ملاسنات قد تبدأ بسوء فهم، أو كلام مرذول فيه سباب وتعدي، والفطن هو من يفوز فيها إذا تعالى وترك الجدل، وآثر الحلم والتعقل حتى لا ينقص من قدر نفسه، ويصرف النظر، حتى لو أمتلك قدرة الرد والردع؛ وهو في هذا كأن لسان حاله يتمثل بقول الشاعر محمد سالم الطريسي؛
بغيت اجاريهم وارد المغاوير 
واعثى بهم عثي الاسد والذيابة
لكن ردتني سلوم المناعير
وبيت قريته من فنون الخطابة
بيت قريته صور الوضع تصوير
الرمح غالي والفريسة ذبابة

. السجال الافتراضي في منصات التواصل يقذفها أهل التفاهة حينما يخوضوا في مفاهيم وشعوب وأفراد تبعث تشويش وتشتيت وتلف أوقات. وهي هائلة الكم تتطلب تأمل وإدراك لحوافزها ومآلاتها، والحصافة في إهمالها والتغافل عنها، وعدم تدوير نشرها لإطفاء شهرة ولإماتة الفكرة. النتاج التافه زبد سرعان ما يذهب ولا يبقى أثره مع الزمن. والأكمل أن توجه الطاقة لما يستحق وينفع، وهذا جوهر فهم حكمة واقع الحياة في السجال. ولا غرو أن محتوى بعض منصات التواصل بتنوع أشكالها تُنزل شمس الثقافة أرضا، وتجعل الأقزام أنفسهم يظهرون بمظهر العمالقة حتى يُقال إذا ظهر الحمار بزيِّ خيلٍ، تكشفَ أمره عند النَّهيق.
يقول الشاعر حامد زيد؛
وانا لو إني بلتفت بلتفت ليه
الرُّمح غالي والفريسة ذبابه 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .