العدد 6091
الأربعاء 18 يونيو 2025
لوثة " الترند" والهوس المستحيل
الجمعة 26 يوليو 2024

كأنها اللطمة القوية، أو الزلزال المروع ذلك الذي غير أحوالنا من الكيف إلى الكم، من القيمة إلى الحجم، ومن التأثير إلى الضجيج، هو في حد ذاته ذلك الرهان الكبير على العدد، على الجماهيرية الزائفة، على الجيوش والكتائب الالكترونية المفلسة، هو ما يطلق عليه في عالم اليوم ب" الترند "، وما أدراكم ما " الترند "، هو جرس الاغلاق بعد نزال، وخط النهاية بعد سباق محموم، ومكمن الربح السريع وليكن ما يكون.  

الترند أو السعي إليه، المكسب الأسرع على حساب القيم الأخلاقية، والاستقرار المجتمعي، والوعي الجمعي، الربح الذي أراه حرامًا  مهما تجنبه رجال الدين ولو لم يدلوا بدلوهم فيه، لا يهم على جثث يمشون، ولا في أي واد يهيمون، ولا من أي أداة تواصل يستخدمون، المهم أن يحقق الخبر المشكوك في صحته أعلي مقروئية، والصورة المركبة أكثر نسبة مشاهدة وتتبع، والفيديو المندس أهم ردود فعل على الاطلاق، حتى الصحافة القانونية، أو الورقية أو الالكترونية المعتمدة أصبح شغلها الشاغل عدد القراء والمتابعين، وأصبح العم" جوجل " رهينة في أيدي المتلاعبين، يمنح العطايا لمن يظهر أكثر ويحوم عليه الناس مدة أطول، وتتابعه كل المخلوقات الكون بشغف واشتياق أعمق، لم يعد يكترث الباحث عن المعلومة إذا ما كانت هذه المعلومة صحيحة ومصدرها مؤكد ومعتبر وموثوقا به، أم أنه عابر سبيل أو دخيل يسمع من الناس ويؤلف معهم الحكايا والنوادر والشائعات، طالما أن ذلك سوف يحقق " الترند" وأن المدعو " ترند " سوف يجلب مالًا وفيرا، وشهرة واسعة، وفرصا لا أول لها ولا آخر.

الكارثة أن صحف اليوم يسألونك عن عدد قرائك وليس عن نوعياتهم، عن الحدث " الترند " الذي يحمل اسمك، وليس عن المقال أو الخبر الذي يغير حياة الناس من الأسوأ إلى الأفضل، وأوضاع اقتصاديات الدول الصاعدة من الأقل نموًا إلى الأعلي مرتبة، ومستويات معيشة الناس الغلابة من الأكثر قحطا إلى الأحسن حالًا، سوف يسألك صاحب الصحيفة، أو ربان الموقع الالكتروني أو " المعلم فلان " عن عدد زبائنك " وليس عن قيمتهم الفكرية أو العلمية أو الاجتماعية، عن مرات " الترند" على موقعك، وليس عن أسماء المفكرين الذين يتابعونك، حتي الأطفال في بيوتنا والفلاحين في حقولنا والعمال في مصانعنا " والحطابين " في الجبال قد اصابتهم لوثة التكنولوجيا مثلما لوثت حياة أهل " البندر "، غيرت مفاهيمهم عن الصحافة والثقافة والإعلام وصناعة المحتوى، غيرت حياتهم إلى ما يشبه أحصنة السباق المربوطة في سلاسل متصلة لو أفلت حصانًا ستكون نهايته، ولو تمرد، ستدوس عليه بقية الأحصنة .

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .