+A
A-

الذكاء الصناعي مادة دراسية إجبارية في جامعات فنلندا

أغلب مناهج الاقتصاد وريادة الأعمال لدينا غير صالحة للاستخدام

تكنولوجيا “هواوي” ستقضي على “غوغل” نهائيًّا

الصراع بين الدول حرب تكنولوجيّة كبرى والعرب خارجه تمامًا

 

دعا أستاذ الذكاء الصناعي بجامعتي (بيجين) و(جاوتونج) الصينية، وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة فيكتوريا بسويسرا سامح النمكي الحكومات العربية لأن تتفهّم أهمية علم الذكاء الصناعي، وأهمية طرحه كمناهج دراسية إجبارية في المدارس والمعاهد والجامعات، مؤكدًا أنه (المستقبل).

وأوضح النمكي بحديث موسّع أجرته معه “البلاد” في العاصمة المصرية القاهرة أن كثيرًا من المناهج الدراسية التي تدرس الآن في الجامعات العربية بمجالات ريادة الأعمال قديمة وغير صالحة، وأن هنالك ضرورة قصوى لتوظيف كوادر أكاديمية مؤهلة لإعادة تدوينها من جديد، بما يتواكب مع متغيرات العصر.

وأكد أن الحرب التجارية الأميركية الصينية تدور بالأساس بفلك الاستحواذ على مفاصل علم الذكاء الصناعي والذي رُبط مؤخرًا بعلم ريادة الأعمال وعلوم أخرى متعددة، وهو أمر يؤكد أهمية السير بهذا المسار المتطور، وربطه بشتى جوانب الحياة.

لماذا تولي الدول الكبرى أهمية قصوى للذكاء الصناعي؟

تخصص الذكاء الصناعي من التخصصات الجديدة التي توليها حكومات الدول الكبرى أهمية قصوى، على رأسها علاقة الذكاء الصناعي بإدارة الأعمال، وآلية رصد المتغيرات التي ستحصل في طريقة التفكير الاستراتيجي، والذي كان في السابق مبنيًّا على قواعد قديمة صممت بالثمانينات والتسعينات، وانقرض معها الأساتذة الكبار التي رسخوها وأوجدوها.

هذا العلم هو الناهض بشتى العلوم التي تحيط بنا، وهو الذي يحدّد أولوياتها ومساراتها، وهو المسار الذي أسير به حاليًّا وأدعو إليه، بكتاب تفصيلي في تخصص إدارة الأعمال الاستراتيجية تحديدًا، وتتّجه له أغلب الدول المتقدمة ولكنها لا تتحدث عن ذلك.

 

هل لك أن تقدم لنا فكرة عن هذا الكتاب؟

هذا الكتاب هو الأول من نوعه في العالم، وسيجهز خلال ثلاثة أشهر، تحت عنوان (تأثير الذكاء الصناعي على إدارة الأعمال)، كعلم جديد له علاقة بتصميمات التفكير الاستراتيجي المختلفة، وتأثيرها على شخصية مديري الشركات، عبر المتغيرات وترك التفكير القديم والذي انتهى فعليًّا.

في العالم العربي نحن بحاجة لجيل جديد من مديري الشركات الذين يسيرون بنهج التفكير القائم على الذكاء الصناعي، وهذا يعني، تمرين جيل جديد، يفكر بطريقة مختلفة، ويستخدم مناهج جديدة، تساعده هو للتغيير، بفترة زمنية لا تتجاوز الخمس سنوات كحد أقصى.

 

ما أهم النماذج الدولية برأيك، التي اتجهت نحو مسار الذكاء الصناعي؟

الصين تعي هذا الموضوع جيدًا، وعليه قررت صرف ما يعادل 150 مليار دولار لتطوير مراكز البحث لديها والشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية في الذكاء الصناعي، وهو نهج لم يسر عليه الغرب حتى اللحظة.

 

وماذا عن الأميركان؟

الأميركان مشغولون بالتكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الصناعي، كنظام التشغيل على سبيل المثال، وهي من وجهة نظري ليست بالمهمة، بقدر آلية التفكير في استثمار هذه التكنولوجيا وأين سيتم الاتجاه بها.

وأضيف هنا بأن الأميركان يدفعون مبالغ كبيرة للمؤسسات المتخصصة في الذكاء الصناعي، حيث خصصت الحكومة الأميركية العام الماضي مبلغ 10 مليارات دولار لذلك، لأسباب مختلفة منها تغيير رأي المجتمعات الأميركية المحلية في قضايا الشأن السياسي، وفي تطوير الأنظمة الدفاعية والعسكرية.

# يتحدث كثيرون عن الذكاء الصناعي وأثره في التكنولوجيا الدفاعية، هل وصل بصورته الحالية إلى مرحلة الرضا للحكومات؟

تصميم أسلحة جديدة مبنية على الذكاء الصناعية، مسار قطعت به أميركا والصين وروسيا شوطًا طويلاً للغاية، ونحن لا نسمع شيئًا عن ذلك، لأنه علم سري ومتطور ومؤثر، ولقد تلمسناه في المنطقة عبر الاستهدافات المتعددة التي قامت بها طائرات (الدرون) الذكية على أهداف اقتصادية وعسكرية مختلفة.

 

ما الفارق بين الأميركان والصينيين في تطوير الذكاء الصناعي؟

إن الأميركان تركوا الأمر للشركات والتي همها الأول تحقيق الربحية، كفيس بوك وأمازون، بعكس الصينيين الذين لا يفكرون بالعائد، بقدر تفكيرهم بالمصلحة العليا للدولة، وفي الدفاع عن الصين، وهو الأمر الذي يضعها بشكل مختلف عن أميركا وعن أوروبا والتي لا تزال نائمة عن هذا الحقل.

 

هل هنالك تجارب سياسية أظهر الذكاء الصناعي أثره بها؟

بالتأكيد، لقد تم استثماره وبوضوح في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة والتي أوصلت ترامب للبيت الأبيض، حيث تم تجميع المعلومات عن المنتخبين الأميركان من موقع فيس بوك، عبر شركة انجليزية اسمها (كامبريج)، ثم قاموا بتحليلها، وحددوا اتجاهات الناخب الأميركي، وفرزوا الناخب المتردد أو الذي لم يحدد موقفه الانتخابي، ثم بدأوا يرسلون له رسائل محددة وجهت مسار التصويت بالنهاية لصالح ترامب.

هذه التجربة الناجحة، تؤكد مقدرة استثمار الذكاء الصناعي في الانتخابات والسياسة وليس في النواحي الاقتصادية والعسكرية فقط.

هل هنالك تجارب أخرى؟

بالتأكيد، لقد استثمر علم الذكاء الصناعي للتأثير على الناخب الإنجليزي للخروج من الاتحاد الأوروبي، ولقد تمت التغطية سياسيًّا على هذه التجارب لأنه لو انتشرت فكريًّا، ستؤثر عالميًّا على حقول الانتخاب والسياسة والاقتصاد وغيرها، إن من الأهمية الوعي التام عربيًّا لاستخدام البيانات عبر عقول الذكاء الصناعي لتوجيه المجتمع، والتأثير على قراراته ومواقفه.

 

ما أهمية الذكاء الصناعي في الحياة اليومية للناس؟

تمكن الأهمية في العلاقة ما بين الذكاء الصناعي وطريقة التفكير الإنساني نفسه، وهو أمر رصدته بوضوح في العمليات التحليلية التي أقوم بها، على مستويات الذاكرة والعلاقة ما بينها وبين التعلم الصناعي، والأهم التأثير على إدارة الأعمال، أغلب أبحاثنا في هذا الحقل تسير بمسار المعلومات التي يتم تجميعها، والعمل على تحليلها من بعد، ومن ثم التوصيات النهائية لها.

 

ما هو موضوع الخلاف الرئيسي ما بين شركة هواوي الصينية والحكومة الأميركية؟

إن لدى هواوي تكنولوجيا لا يمتلكها الأميركان، وما يميز تكنولوجية هواوي بأنها أسرع وأكثر فاعلية وتطورًا من التكنولوجيا الأميركية، وعليه صحا ترامب من غفوته وقال (ما الذي يحدث؟).

 

كيف استطاع الصينيون التفوق بهذا الحقل الاستراتيجي؟

لأنه لا يوجد هنالك ما يعطّل مشاريعهم المتمددة في هذا المضمار، كما أن العائد المالي لا يمثل لهم أولوية كما أسلفت بقدر المصلحة العليا للدولة نفسها، ناهيك عن أن الحكومة الصينية تضخ أموالاً ضخمة لشركاتها لكي تواكب التطور والتقدم بدون أي تردد، ولا يهمها الرقم أيًّا كان.

وعليه، لجأت الولايات المتحدة لمنع وصول قطع الغيار المختلفة لشركة هواوي لكي تكبلها، وتعثر تطورها ونهوضها، منها مثالاً حظر نزول تطبيق (غوغل بلاي) في هواتف هواوي الجديدة.

هل طال الحظر الأميركي شركات صينية أخرى؟

بالتأكيد، لقد تضررت شركات صينية أخرى عديدة من هذا الحظر المقصود، منها شركة (زد تي) المتخصصة في صناعات الرقائق والهواتف الذكية، والتي كانت تعتمد على الشركات الأميركية للحصول على قطع الغيار، حيث اضطرت بعد الحظر الأميركي لتسريح قرابة 80 ألف موظف.

لكن الجيد في الصينيين، أنهم يتعلمون جيدًا من الدروس، وعليه بدأوا بإنتاج كل صناعاتهم بشكل ذاتي، والظريف بأنهم حاولوا شراء شركة أميركية متخصصة بصناعات الرقاقات اسمها (كوالكوم) لتسهيل عملهم، لكن ترامب أوقف عملية الشراء.

بعدها حاولوا شراء شركة أخرى اسمها (برود كوم) لكنهم لم ينجحوا، حيث دفع ترامب شركة (كوالكوم) لأن تشتري (برود كوم) لمنع عملها لصالح الحكومة الصينية.

هنالك شركة أخرى هولندية متخصصة بهذا المجال، حاول الصينيون شراءها لكن الأميركان اعترضوا ذلك، وفي محاولة أخرى حاول الصينيون شراء (المكائن) التي تصنع الرقاقات الذكية من هذه الشركة، وبالرغم من أنهم دفعوا مُقدم الصفقة منذ عامين، إلا أن الهولنديين اعتذروا أخيرًا عن الصفقة بسبب ضغوطات أميركية.

ولقد خرج السفير الأميركي في هولندا أخيرًا وقال علنًا بأن الصين يجب أن لا تحصل على هذه التكنولوجيا المتقدمة، فالصراع الجديد هو حرب تكنولوجية كبرى، تدور بفلك الذكاء الصناعي، العرب خارجه تمامًا.

 

كيف تقرأ مستقبل الصراع القادم ما بين هواوي وغوغل؟

خلال أربع سنوات، ستقضي تكنولوجيا (هواوي) على (غوغل) نهائيًّا لأسباب عدة، أهمها خروج تكنولوجيا صينية جديدة ستكون وثبة بفضاء الذكاء الصناعي، ولك أن تأخذ على سبيل المثال الهاتف الأخير الذي أصدرته هواوي أخيرًا (ميت ثرتي برو) والذي لا يحمل تطبيقات (غوغل) وإنما هواوي تكنولوجي، بما فيه نظام التشغيل نفسه، ومتجر التطبيقات، لكنه نال استحسان المستهلكين.

 

كيف ستستطيع هواوي أن تواجه التكنولوجيا الأميركية المتجذرة عالميًّا، كفيس بوك وواتساب وغوغل ولنيك ان وغيرها؟

منتجات هواوي الجديدة هي أرخص من منتجات سامسونج وآيفون بكثير، وهذا بحد ذاته عامل جذب للمستهلكين، كما أن تكنولوجيتهم أفضل وأسرع وأكثر تطورًا، وتقدّم خدمات مميزة ومجانية كنظام الحماية من الفايروسات (بايدو)، بخلاف غيرها.

والظريف أنك حين تشغل (البايدو) على جهازك فإنه يقول لك عبر رسالة تظهر على الشاشة (نحن مجانًا إلى الأبد)، بينما إذا اشتريت برنامجًا أميركيًّا شبيهًا أو كوريًّا أو أوروبيًّا فإنك ستدفع مقابلة أموالاً، تكون متجددة سنويًّا.

 

ماذا تنصح الحكومات العربية فيما يتعلق بعلم الذكاء الصناعي؟

منذ شهرين قدمت محاضرة في المجمع العلمي بالقاهرة، عن هذا العلم الاستراتيجي والمسارات الذي تتّجه به دول العالم الآن، وللأسف الوعود العربية كثيرة والتطبيق قليل، أضف أن تفهم العرب لعلم الذكاء الصناعي لا يزال محدودًا للغاية، وقد يكون التقدم السريع جدًّا لهذا العلم فائقًا وغير قادر منهم للاستيعاب.

يجب أن نوجد هذا الوعي في العالم العربي، ولنا أن نأخذ بالتجربة الفنلندية كمثال حيث وضعت هذا العلم كمادة دراسية إجبارية في جامعاتها ومعاهدها ومدارسها المختلفة وعلى جميع المستويات.

كما أن الدول الاسكندنافية تتجه جميعها في هذا الاتجاه، حيث وضعوا الذكاء الصناعي كعنصر أساسي في التعليم، وهنالك محاولات سنغافورية للسير بهذا الاتجاه.

يجب أن نبدأ بالتفكير بأن يتم تطوير مناهج التعليم والاقتصاد وإدارة الأعمال التي تدرس بالجامعات العربية والتي اعتبرها بأنها انتهت وأصبحت قديمة، عبر توظيف كوادر أكاديمية مؤهلة لتقوم بمجهود خاص لإعادة كتابة هذه المناهج بشكل يتناغم مع ما هو جديد الآن.