+A
A-

السقاف: الخليج العربي قضية وجودية للأمن الإيراني

((تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الالكترونية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية ، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الاشارة للمصدر.))

 

دعا الباحث السياسي السعودي في الشأن الإيراني عبدالرحمن السقاف بإقامة مراكز أبحاث تهتم بدراسة إيران دراسة وافية و شاملة، ترسم لقيادات المنطقة خارطة طريق، توازي مراكز البحث الإيراني والإستراتيجية العميقة.

وأوضح السقاف في حوار أجرته معه “البلاد” عن الملف الإيراني، بأن الخليج العربي أحد القضايا الرئيسة في منظومة الأمن القومي الإيراني، بل يمكن القول إنه قضية وجودية بالنسبة إلى أمن إيران، وهو ما منحه منزلة مهمة في الخطاب الإعلامي الإيراني، مضيفا “طريقة تعامل الإعلام الإيراني مع دول الخليج، طريقة متفاوتة، وليست بالدرجة نفسها، حيث يحكمها مدى قرب هذه الدول من إيران وتوافقها معها من عدمه”.

ما الذي تريده إيران؟

إيران دولة قامت على أنقاض قومية فارسية، ونظرا لكبر حجمها، وعدد سكانها، وطول شواطئها على الخليج والمحيط الهندي، وما لديها من احتياطات الغاز والنفط، إضافة لحملها بُعدا أيديولوجيا راديكاليا وفكرا توسعيا، كل ذلك ولّد لديها الرغبة في أن يكون لها دور إقليمي ومحوري يهدف إلى زعامة العالم الإسلامي والسيطرة عليه، حيث أوجدت لنا (نظرية أم القرى)، بأن تكون إيران قلب العالم الإسلامي الذي تدور رحاه عليها، فمنها يصدر الأمر وإليها يعود، لذلك جعلت من نفسها نصيرة الشعوب في كل الدول، وهذا أمر بات جليا في دستورها، وتلخص هذا الأمر بما يُسمى عندها بتصدير الثورة!

في الوقت الذي تزخر به إيران بمراكز البحث والتحليل والترجمة للثقافات والمجتمعات العربية، هنالك غياب واضح في (الضفة المُقابلة)، ما رأيك؟

تزخر إيران بمراكز بحوث عميقة بسبب أن لديها مشروعا توسعيا ـ بمختلف أهدافه وطموحاته ـ بحاجة إلى مراكز تهيئ الدراسات والأبحاث ليتم تقييم التجربة والوقوف على مدى نجاحها من فشلها؛ لذا يجب علينا في المقابل إقامة مراكز أبحاث موازية تهتم بدراسة إيران دراسة وافية و شاملة، هذه الأبحاث وهذه المراكز لا تتأتى إلا بمشروع يرسم لنا خارطة طريق، نعم كان لدينا في السابق غياب واضح  في وجود مثل هذه المراكز.

لكن أرى الآن مبشرات في بعض دولنا الخليجية والعربية بوجود مراكز بحث ودراسات مهمة تهتم بدراسة الجانب الإيراني، وقد زرت بعضها، كمركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة ومركز الخليج للدراسات الإستراتيجية بالبحرين، والمعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالسعودية، ومركز المزماة للدراسات والبحوث في الإمارات، ومركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية بالأردن، ومازلنا نطمح بالمزيد منها.

كيف تقرأ الخطاب الإعلامي الإيراني تجاه الأمن الخليجي والعربي والتي تتسم بالمد والجزر، والتصعيد والتهدئة؟

يُشكّل الخليج العربي أحد القضايا الرئيسة في منظومة الأمن القومي الإيراني، بل يمكن القول إنه قضية وجودية بالنسبة إلى أمن إيران، وهو ما منحه منزلة مهمة في الخطاب الإعلامي الإيراني؛ لذا فإن طريقة تعامل الإعلام الإيراني مع دول الخليج، طريقة متفاوتة، وليست بالدرجة نفسها، حيث يحكمها مدى قرب هذه الدول من إيران وتوافقها معها من عدمه، كما يدخل فيها عامل التحالفات مع الغرب، وكمية الخلايا النائمة والطابور الخامس التابع لولاية الفقيه فيها.

ويدخل فيه كذلك المصلحة الاقتصادية، حيث تُفرق إيران بين خطابها الإعلامي السياسي الرسمي وخطابها الإعلامي الاقتصادي، على سبيل المثال مع دولة الإمارات، فهو إعلام ثابت في موقفه حول الجزر الإماراتية المحتلة، لكنه في المقابل إعلام مرن في تعاطيه الاقتصادي معها.

إيران غارقة في وحل وهم التوسع والقوة، هذا صحيح، لكننا لا نرى أي تحرك دولي ضدها، كما حصل مع نظام صدام حسين، أو القذافي، وغيره؟ هل بذلك دلالات نفاق سياسي غربي؟ ما الذي تدعو إليه؟

ليس نفاقا سياسيا بقدر ما هو تبادل مصالح ومزاج سياسي متقلب، كما يدخل فيها جانب التحالفات مع إيران، ويدخل فيه كذلك مناكفة دول الغرب مع الولايات المتحدة، كما حصل في شهر سبتمبر الماضي من تصريح صدر عقب اجتماع وزراء خارجية كل من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعهم إيران في نيويورك، حيث اتفق الوزراء على ضرورة التطبيق الكامل للصفقة النووية مع طهران.

وأكدوا عزم بلدانهم على الحفاظ عليها. بل إن الموقف الدولي والذي تتزعمه أمريكا تجاه إيران، نجد فيه التناقض في بعض الأحيان، مثل ما وجدنا في تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون من أنه لا يجد حرجا في الاعتراف بأن حزب الله التابع لإيران يشكّل جزءا من العملية السياسية في لبنان، لكنه تيلرسون عاد لاحقا ليقول إن الحزب المذكور يهدّد أمن لبنان.

كما أن الموقف الأمريكي نراه في أحيان أخرى يميل للتهدئة وعدم التصعيد مع النظام الايراني الحالي، ثم علينا أن نسأل هل الموقف الدولي في معاداته لإيران ثابت أم متغير؟ بمعنى هل حالة العداء دائمة أم إن الأصل فيها الرضا والقبول والتعاون المشترك المتبادل؟

ما نراه على أرض الواقع أن حالة التعاون المشترك المتبادل هي الحالة الدارجة في الغالب، ويكفينا شاهدا على ذلك مقولة آية الله أبطحي النائب السابق للرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية: (لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد)، إشارة منه إلى التعاون الإيراني الدائم مع الولايات المتحدة.

كيف تفسر المواقف الحيادية لبعض الدول العربية والحليفة من الملف الإيراني، ومن الملفات الأمنية الكبرى في المنطقة وبالخليج تحديداً؟

ليست حيادية مبنية على وعي وفهم بقدر ما هي مبنية على تضارب مصالح تحمل فكرا براغماتيا عاليا، وفي بعض الأحيان تكون على توافق عقيدي أيديولويجي، كما يدخل فيها أيضا شيء من التبعية، وكذلك يدخل فيها تصفية حسابات هذه الدول المحايدة مع خصوم إيران مثل خصومتها مع المملكة العربية السعودية.

هذه الدول المحايدة قفزت من الحياد للولاء والتعاون المشترك مع إيران وهذه مصيبة عظمى وبلية كبرى بأن يتم التحالف مع نظام مخرب لا أمان له، غير أننا في الجهة المقابلة وجدنا صحوة في مواقف بعض الدول العربية، والتي انتبهت للخطر الإيراني كالجزائر ففي  شهر سبتمبر 2018 تم طرد الملحق الثقافي للسفارة الإيرانية أمير الموسوي الضابط بالحرس الثوري الإيراني، حيث قام وعلى مدار أكثر من ثلاث سنوات من النشاطات المشبوهة تحت غطاء دبلوماسي تستهدف الأمن القومي الجزائري.

وكذلك ما قامت به المغرب في شهر مايو 2018 من قطع علاقاتها مع طهران بمطالبة القائم بالأعمال في سفارة إيران بمغادرة البلاد بسبب الدعم العسكري من قبل حليفها حزب الله “للبوليساريو” لاستهداف الأمن الوطني والمصالح العليا للمغرب.

هل ترى بأن الطوابير الخامسة لا تزال (تشعلل) وسائل التواصل الاجتماعي بالتحريض؟ ما الحل؟

وسائل التواصل الاجتماعي بانتشارها الرهيب، وما توفره من خصائص للوصول لكل الناس، كانت هي الوسيلة والحاضنة التي ساعدت في تكوين الطوابير الخامسة التي أحدثت الهلع والاضطراب ونشر الاخبار المضللة الكاذبة، وهذا مما برعت فيه إيران وأتقنته للأسف لضرب خصومها. وجود الطوابير الخامسة في وسائل التواصل  هي حالة طبيعية؛ لأنها من سنن الله تعالى الكونية، وهي سنة التدافع، أي تدافع الخير والشر، وما هذه الطوابير الخامسة والخلايا النائمة التابعة لإيران في دولنا إلا أحد مصاديق هذا الشر الذي يجب علينا مواجهته، بفضحها وبيان كذبها وافترائها مع ذكر الحقائق ونشرها على أوسع نطاق في وسائل التواصل.

  كيف تفسر السياسات الإيرانية الحالية تجاه الأمن القومي العربي، والذي يضرها أكثر من غيرها، هنالك عزلة دولية، وحصار اقتصادي، وتهاوي عملة؟ كيف؟

أثّرت العزلة الدولية والحصار الاقتصادي بشكل كبير على إيران، لكنها لم تُغيّر شيئا من تأثير إيران في المنطقة، لاسيما بعد المظاهرات الحاصلة في العراق ولبنان؛ لذا فهي ماضية في مشروعها الأيديولوجي التوسعي الساعي لاختراق الأمن القومي العربي.

في العراق ولبنان خرج المتظاهرون رافعين شعارات تطالب بطرد إيران والخلاص منها، وهذا الأمر يُشكل تهديدات مباشرة للأمن القومي الإيراني لذلك تلجأ لسياسة الهروب إلى الأمام، فلا تراجع ولا انكفاء عن مشروعها في المنطقة، مما جعل ساسة إيران بدءا بولي فقيهها السيد علي الخامنائي أن يصف ما يحصل من تظاهرات في العراق ولبنان بأنها أعمال شغب وفتنة، وأنها صنيعة أمريكا وإسرائيل.

ومع تسارع هذه الأحداث إلا أن موقف إيران مازال صامدا تجاه الملفات العربية. ففي العراق ولبنان ومهما كانت نتائج المظاهرات، فإن إيران لن تسمح لهياكل قوتها بالانهيار، فنراها تستخدم السلاح لقتل المتظاهرين بالعراق بقصد ثنيهم عن التظاهر، وتبث مرتزقتها من حزب الله اللبناني بين المتظاهرين؛ لتخويفهم وبقصد إفشال تظاهرهم.

وكذلك نراها لا تزال تدعم نظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، ومستمرة أيضا في عملها العسكري مثل المناورات العسكرية الحالية مع روسيا والصين في المحيط الهندي وخليج عمان، كما لاتزال ماضية في مشروعها النووي بتخصيب اليورانيوم وإن صرحت بسلمية برنامجها النووي، كما أنها ماضية في تعاملاتها التجارية مع الدول المجاورة مثل العراق وتركيا وروسيا وكازاخستان رغم الحصار والعزلة.