+A
A-

350 مليون دينار الدعم الحكومي لأسعار الكهرباء والماء

يبرز الدعم الحكومي المقدم لخدمات الكهرباء والماء في الفرق بين كلفة إنتاجها في المحطات ذات الاستثمارات والتشغيل العالية وسعر بيعها القليل نسبيا للمستهلك، إذ تبلغ كلفة إنتاج الكهرباء في المملكة حوالي 30 فلسا لكل كيلووات/ ساعة، بينما تباع بـ 3 فلوس، وكلفة إنتاج الماء 750 فلسا لكل متر مكعب، وتباع بـ 70 فلسا.

ورغم القفزة التنموية والحضارية الهائلة التي شهدتها المملكة؛ بسبب الأثر الذي تركه التطور النوعي الكبير في قطاع الكهرباء والماء، لكنها لم تدخر جهدا في تقديم خدمات التزود بهاتين السلعتين الغاليتين بأسعار كانت وما زالت شبه مجانية مقارنة بما هو عليه الحال في دول قريبة الشبه من البحرين في ظروفها الاقتصادية، وربما لا تعاني مثلها من محدودية مواردها.

واضطرت الدولة لاتخاذ قرار صعب قبل نحو سنتين لزيادة أسعار الكهرباء والماء لتقليل هذا الفارق الكبير بين سعر إنتاج وحدة الكهرباء والماء، لكنه لم يمس المواطن كثيرا، حيث كان هدف الدولة وما زال من قرار إعادة توجيه الدعم لمستحقيه هو التقليل من الهدر في استخدام الطاقة.

وحرصت الحكومة على الإبقاء على تعرفة الكهرباء والماء للمستهلكين من فئة الاستهلاك المنزلي للمواطن على حساب واحد دون تغيير، ومراعاة المشتركين من فئة الاستهلاك الصغير والمتوسط من فئة الاستخدام غير المنزلي من المواطنين أصحاب المؤسسات والمحلات الصغيرة والمتوسطة والتي يكون استهلاكها في حدود 5000 وحدة كهرباء؛ لما تمثله هذه الشريحة من دور في تنمية الاقتصاد وتحفيز الإنتاجية لدى المواطنين الذين تعد مثل هذه المؤسسات أحد مصادر الدخل بالنسبة إليهم.

وهذا التعديل البسيط في تعرفة الماء والكهرباء أدى إلى زيادة الوعى في نمط الاستهلاك، وبالتالي إلى ترشيد الاستهلاك، مما ترتب عليه عوامل إيجابية من النواحي الاقتصادية والبيئية، كما أدى إلى خفض الاقتراض العام وتقليل العجز في الموازنة العامة للدولة.

والمعروف أن الدولة بأجهزتها المعنية ورغم قرارها السابق، لكنها لم تتوقف عن دعمها لأسعار الكهرباء والماء للمواطنين، وحتى هذه اللحظة، إذ يمكن الإشارة إلى مكرمة القيادة لتخفيف العبء عن كاهل البحرينيين، ومن أبرز هذه المكرمات: المكرمة الملكية العام 1999 بتخفيض رسوم الكهرباء والماء التي وصل عدد المستفيدين منها العام 2016 إلى أكثر من 11 ألف مواطن، فضلا بالطبع عن الدعم الحكومي الموجه لأسعار الكهرباء والماء الذي وصل إلى 350 مليون دينار (مليار دولار) في موازنة العامين 2013 و2014 وحدها.

وفي ضوء ذلك، واصلت المملكة مجهوداتها لتطوير قطاعي الكهرباء والماء، وحرصت عبر الأجهزة المعنية على توفير المخصصات المالية اللازمة لمشروعات تطوير وتنمية وصيانة المياه والكهرباء، وعدم تأثر هذه المخصصات بأي ضغوط مالية مع انخفاض الإيرادات النفطية منذ منتصف العام 2014.

ويشار إلى هذا التطور اللافت في بناء وتطوير وصيانة محطات توليد الكهرباء وإنتاج المياه، إذ ارتفع إنتاج الكهرباء في البحرين من 1063 ميغاوات العام 1999 إلى 3920 ميغاوات العام 2017 بنسبة تقدر بـ 270 %، كما ارتفع إنتاج المياه من 90 مليون جالون إلى 186 مليون جالون في نفس فترة المقارنة بنسبة قدرها 105 %.

كما يمكن إبراز هذا الارتفاع الكبير في مخصصات الماء والكهرباء في الموازنة العامة للدولة، والذي زاد من 250 مليون دينار في موازنة العام 2011 إلى 315 مليون دينار في موازنة العام 2016، وبمعدل زيادة قدره 80 % تقريبًا إضافة إلى تخصيص نسبة كبيرة من برنامج التنمية الخليجي لتطوير وصيانة هذا القطاع الحيوي.

وواقع الأمر، أن الاهتمام بتوفير الكهرباء والماء مثل أولوية رئيسة للحكومة، رغم ما يواجه ذلك من صعوبات تتعلق بمناخ المملكة الصحراوي، حيث تندر المياه وترتفع الحرارة، إلى جانب الزيادة المستمرة في عدد السكان والنشاط الاقتصادي، فسعت إلى إقامة مشروعات ضخمة لتحلية المياه، وإنتاج الكهرباء من الغاز بدلًا من النفط لمحدودية إنتاجه، والتنمية والتحديث المستمر لمرافق المياه والكهرباء، والاستثمار في الطاقة المتجددة النظيفة، ودخلت البحرين الألفية الجديدة، وكل عمرانها مزود بالمياه الصالحة المأمونة، ومرافق الصرف الصحي، والكهرباء.

ووضعت الحكومة في برامج عملها ضرورة توسيع الطاقة الإنتاجية للكهرباء والماء وتقليل نسبة الانقطاعات عن طريق تطوير مشاريع تزيد القدرات المتاحة لإنتاج ونقل الكهرباء مثل مشروع محطة الدور التي تبلغ تكلفة إنتاجها 1.5 مليار دولار وتسهم في تأمين احتياجات المملكة المستقبلية للكهرباء والماء من خلال توفير ما يزيد على 4000 ميغاوات من الكهرباء لتعزيز القدرة القائمة، و90 مليون جالون من المياه المحلاة.

هذا إضافة إلى إعادة تأهيل محطة سترة وبناء وحدة معالجة المياه المحلاة، وتوسيع قدرة شبكات نقل وتوزيع الكهرباء والماء والسعي نحو تقليل الفاقد في الشبكات، والتطوير الفعلي لشبكات نقل الكهرباء القائمة، واستحداث شبكات الجهد الفائق 400 كيلو فولت بتقليل مستوى قصر الدائرة الناتج عن تطوير توسع شبكة الكهرباء وزيادة الأحمال.

واستفادت المملكة من الربط الكهربائي الخليجي، الذي تم تدشين المرحلة الأولى منه في صيف 2009 والاستثمار في الطاقة المتجددة والبديلة.

وسعت أيضًا إلى تحقيق كفاءة استخدام الكهرباء والماء والترشيد والحد من الإهدار وتقليل الفاقد منه وتشجيع الاستفادة من التكنولوجيا الموجهة في هذا الشأن، فضلا عن الأدوات التنظيمية وحماية وتطوير الخزانات الجوفية وزيادة المخزون المائي والتركيز على مصادر جديدة للطاقة المتجددة لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة.

ونظرًا للزيادة المضطردة في استهلاك الطاقة والحاجة الملحة لضبط هذه الزيادة بحيث تكون في معدلات معقولة مقارنةً بالمعدلات العالمية المبنية على الاستهلاك الطبيعي والمسؤول عن القطاعات كافة، وحرصًا على أن تكون البحرين في مصاف الدول التي تعنى بالتنمية المستدامة وتنوع مصادر الطاقة، فقد وافق مجلس الوزراء على إنشاء وحدة للطاقة المستدامة تتبع وزير شؤون الكهرباء والماء.

وفي يناير 2017، وافق مجلس الوزراء على تحديد نسبة 6 % لزيادة كفاءة وترشيد استخدام الطاقة على المستوى الوطني، كما وافق على الخطة الوطنية لرفع كفاءة وترشيد استهلاك الطاقة التي أعدتها وحدة الطاقة المستدامة والتي تتضمن 22 مبادرة لترشيد ورفع كفاءة الطاقة.

وعملت الحكومة على الاستفادة من الطاقة المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، والتي من المقرر أن تسهم في توفير 10 % من احتياجات الطاقة في العام 2030، إذ افتتحت مشروع البحرين التجريبي للطاقة الشمسية العام 2014 بسعة 5 ميغاوات بكلفة إجمالية نحو 25 مليون دولار.

وهذا المشروع سيساهم في توفير الفرص لإنشاء صناعات الطاقة المتجددة كجزء من الاقتصاد في المستقبل المنظور، كما يسهم في خلق فرص عمل وصناعة جديدة في السوق المحلي، إضافة إلى الحد من الاعتماد على الغاز الطبيعي.

وتخطط المملكة للاستفادة من الطاقة البديلة بتحويل النفايات إلى طاقة، ويعتبر التخلص من النفايات إحدى المشكلات البيئية واللوجستية المهمة، ولذلك فهي تسعى لتطوير مشروع عسكر في جنوب البلاد لتحويل النفايات إلى طاقة، كما تسعى للبحث عن تقنيات متنوعة تتضمن مرفقًا لحرق النفايات لعلاج 390000 طن من النفايات الصلبة سنويًا مما يمكن أن يولد ما يصل إلى 30 ميغاوات من الكهرباء.

وأولى صاحب الجلالة الملك منذ توليه مقاليد الحكم اهتمامه بحق المواطن في الماء والكهرباء كركيزة حياة وسلامة وصحة وتنمية وعيش كريم، ووجه الحكومة إلى التوجه إلى مشروعات تنمية المصادر غير التقليدية للطاقة، وترشيد الاستهلاك بهدف استدامتها، وتعزيز التعاون الخليجي والشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص في هذا المجال، وكانت محصلة كل هذه الجهود الجبارة تطوير وتعزيز عملية إنتاج الكهرباء والماء وتحسين جودته والمحافظة على البيئة وكلها تصب في صالح زيادة العائدات المباشرة وغير المباشرة للمواطن.