احتجاجا على حرب الإبادة الدائرة في غزة، وعلى الأزمة الإنسانية التي ترافقها، كانت رحلة السفينة “مادلين” بحرا محمّلة بالمساعدات المعنوية قبل المادية لسكان القطاع المنكوب. وها هي قافلة الصمود تتحرك من الجزائر وتونس مرورا بليبيا وربما مصر في اتجاهها برّا إلى معبر رفح في صورة تضامنية جديدة أطلقها نشطاء من مختلف المشارب فرّقتهم الجغرافيا والآيديولوجيا وجمعهم حب فلسطين والتضامن مع الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم.
راكبو سفينة مادلين “قالوا سلاما”.. لكنّ هذه السفينة تعرضت للاحتجاز من القوات البحرية للاحتلال، والنشطاء المشاركون فيها تعرضوا للاعتقال ثم الترحيل، ورغم ذلك أضفت هذه العملية بُعدا إعلاميا قويا، وساهمت في تسليط الضوء العالمي على الحصار الجائر؛ إذ ضمّت السفينة على متنها شخصيات رمزية مثل غريتا ثونبرغ، أيقونة النضال المناخي وغيرها، وقد استقطبت وسائل إعلامية عالمية تابعت رحلتها وتحركاتها إلى حين احتجازها. وقد أكدت الناشطة السويدية بعد ترحيلها ووصولها إلى باريس أن قوات الكيان المحتل خطفت السفينة “مادلين” في المياه الدولية.
أمّا قافلة “الصمود” المغاربية التضامنية مع غزة فمازالت تحظى بالترحيب الشعبي كلما مرت بالمدن التونسية والمدن الليبية، وتضم هذه القافلة مئات من دول المغرب العربي الذين “قالوا سلاما” والذين يرغبون في الوصول إلى معبر رفح من أجل كسر الحصار. وتتكون القافلة من 14 حافلة ومئة سيارة تقريباً، تضم ما بين 1400 إلى 1500 شخص. وتمثل السفينة (مادلين) البحرية و “قافلة الصمود” البرية، وجهًا من أوجه التحرك المدني الشعبي العالمي نصرة لأهل غزة المحاصرين المجوّعين؛ فالقطاع مهدّد بكارثة إنسانية ومجاعة جماعية إن لم تدخل المساعدات الإنسانية بالقدر الكافي إلى جميع سكان القطاع.
ولأنّ غاية الكيان القضاء على الفلسطيني في غزة بشتى الطرق، فقد سارعت إلى إجهاض مبادرة “مادلين”، وستحرّك أصابعها الخفية أيضا لإجهاض مبادرة “قافلة الصمود” إمعانا في الإهانة والغطرسة وتأكيدا من الاحتلال بأن غايته عزل القطاع عن الإمدادات وعن التضامن العالمي المتعاظم.
إنّ هذه الاستهانة المتزايدة بالرأي العام العالمي الشعبي والرسمي المتعاطف مع أهل غزة، تؤكد إصرار الكيان على سياسة الحصار كأداة عقاب جماعي من منطلق براغماتي (الغاية تبرر الوسيلة)، وسياسة الإبادة والتقتيل من دون النظر في التداعيات الأخلاقية والإنسانية المتوقعة من منطلق جيوسياسي (هذه الفرصة قد لا تتكرّر مرّة أخرى).
*كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية