العدد 6054
الإثنين 12 مايو 2025
banner
بعيدًا عن الاحتماء بنظرية المؤامرة
الإثنين 12 مايو 2025

 يميل البعض إلى توظيف نظرية المؤامرة لإحالة جل ما يصيب البلاد العربية من مشكلات وكوارث إلى التآمر الخارجي، بدلًا من مواجهة أسئلة الداخل وتحدياته. وهذا الهروب من مواجهة استحقاقات الداخل هو في الغالب نوع من الكسل الفكري والسياسي يفضي إلى إعفاء النفس من المسؤولية عن تقصيرنا وعجزنا ودوراننا في حلقة مفرغة، والأغرب من ذلك أن بعض الذين يوظفون نظرية المؤامرة في تحليلاتهم ومواقفهم، لا يمانعون في ذات الوقت من الاستنجاد بهذا الخارج، ويمكننا في هذا الصدد أن نتوقف عند 3 نقاط.
أولًا: بالرغم من الإقرار بجدلية العلاقة بين الداخل والخارج، يجب أن نبحث في عيوب الداخل ونقائصه ومشكلاته التي تسهل تسلط الخارج عليه. هذا الخارج يبحث عن مصالحه وموطئ قدم في كل مكان، فالمنطق السائد عندنا هو الذي قاد إلى تمكن الخارج من اقتحامنا وانتهاكنا، فالإشكالية تبدأ من استعدادنا المستمر لاستدعاء هذا الخارج للتدخل في حياتنا واختياراتنا، سواء بسبب ضعفنا وتشتتنا أو بالاستنجاد به لحل خلافاتنا لعجزنا المستمر عن إدارتها. ثانيًا: أصبح الخارج قادرًا على أن يسترق الداخل من زمن بعيد لأنه يفهم وضعنا بشكل دقيق. وكان عليه أن يقرأ الداخل كي يكتشف من أين يمتلكه وكيف يسيطر عليه، ما يؤكد أن تأثير الخارج يظل مرتهنًا بوضعنا العربي الداخلي. وهذا الأمر يكتسب اليوم طابعًا أعمق وأسرع وأكثر تأثيرًا، نتيجة ثورتي المعلومات والاتصال.
فلم يعد الخارج يستأذن الداخل كي يدخل ما يريد من استراتيجيات سياسية واقتصادية ومن تأثيرات كاسحة، لذلك بلغنا اليوم مرحلة الاستباحة.
ثالثًا: إننا اليوم نعيش لحظة تاريخية حرجة، فإما أن نعيد لداخلنا العربي لحمته بحيث يكون قادرًا على التفاعل الإيجابي مع القوى الخارجية وممتلكا القدرة على المواجهة عند الضرورة، أو أننا سنبقى إلى زمن إضافي في خانة الاستباحة مثلما يحدث في أكثر من إقليم عربي منذ سنوات عديدة. ويأتي هنا دور النخب السياسية والفكرية لإحياء تلك الإرادة التي قادت البلاد العربية في القرن الماضي إلى الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، وإطلاق بعض الرؤى والمشاريع التنموية السياسية والاقتصادية الوطنية والقومية، فالأمل يبقى معقودًا على هذا الجهد، بعيدًا عن الاحتماء بنظرية المؤامرة.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية