العدد 6047
الإثنين 05 مايو 2025
banner
من دون ذاكرة
الإثنين 05 مايو 2025

 أن تكون مثقّفًا، أن تكون أنت نفسك مهما تغيرت الجغرافيا وتبدلت الأحوال من دون زيف أو تزييف في زحمة الجغرافيا والألوان واللغات بين وجود وعدم، أن تكون كذلك فأنت لا تزال تمتلك الروح التي يكون بها الإنسان إنسانًا. 
عندما تسير في الشوارع وترى كل هذه الوجوه والألوان والأشكال واللهجات والسحنات، فإنك لا ترى في النهاية سوى الإنسان يلفه المكان والزمان المنقضي المتحول والنور والظلام والنسيان والخوف من الفيروسات غير المرئية الذي كسر الادعاء والغرور، ولا ترى سوى القلق الدائب والحلم الذي لا ينقطع في رحلة الهواء والهراء الطبقي والقبلي والطائفي، والتي لم تنجح سوى في إيقاظ الحروب والنزعات التدميرية التي تسلب من الإنسان أفضل ما عنده. الصدق فيما نكتب وفيما نقول هو أهم ما يطلب من الإنسان اليوم، النزاهة فيما نكتب وفيما نقول تعني فيما تعنيه كسر قشرة اللياقة المزيفة والوقاحة الفجة في آن، بحيث يمكن لنا اتخاذ موقف مُعارِض حتى للرأي العام نفسه، عند الضرورة، لكن من دون خدشه، أي أن نعمد إلى نقده من داخل المنظومة، وليس من خارجها، لأننا شركاء في القيم المشتركة وفي الإنسانية.
تلك هي الرسالة التي يجب أن نمررها فيما نكتب، خصوصًا في زمن الأزمات، بعيدًا عن نزعات الهراء الطائفي والطبقي وبعيدًا عن منطق التشفي وتجريد الإنسان من إنسانيته وكرامته أو التنكيل به. 

وهذا يتطلب الاستنجاد بما يشبه إلى حد كبير روح الطفولة التي توحِّد العالم وتوحد الإنسان في كل مكان لمواجهة موجات الكوارث الكاسحة التي تقتلع الكثير من الغرور والادعاء والاحتماء بالهراء. فتحرير روح الطفولة فينا مهمةٌ أساسية في أي عمل إنساني أصيل ومؤثر، بل إن مدار بقائنا يتوقف على قدرتنا على تحرير الطفل فينا؛ وهذا قطعًا واحد من الأسئلة الاجتماعية الأهم في عصرنا المهدد بالأزمات الكبرى والصغرى.

همس
أنا وأنت... وجميع تفاصيلنا السائلة،
أحوالنا حقيبة سفر قديمة.
كلماتنا ظلمة الهراء 
وسط ركام الأسئلة تتلاشى 
في متاهات تتوسع.


كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .