العدد 6050
الخميس 08 مايو 2025
banner
الأزمات الاقتصادية والميتافيزيقية!
الخميس 08 مايو 2025

 طالعت منذ فترة مقالًا لأحد الكتاب حاول من خلاله تحليل ما أسماه أزمة المجتمعات العربية، والفكرة الجوهرية في هذا المقال المطول تلخصها العبارة: “إن مشاكل العرب ليست ميتافيزيقية ولا ثقافية، إنما هي مشاكل اقتصادية عاجلة، لأن الناس تبحث عن لقمة العيش، هذا همهم وهذه قضيتهم بالدرجة الأولى، وما عدا ذلك فلا أولوية له ولا أهمية له بالنسبة لجميع الناس..”.
والحقيقة أن مثل هذا التحليل يصدم بطبيعته القاطعة والجزئية في ذات الوقت. صحيح أن المواطن العربي يغضب عندما يتعلق الأمر بما يمسّ حياته اليومية وبما يؤثر في معيشته بكل تأكيد، لكن من المؤكد أيضًا أن طغيان هذا الهم الاقتصادي في وجدان الناس وفكرهم وانشغالاتهم هو جزء من حياة مليئة بالقضايا الأخرى التي لا تقل أهمية عن الهم الاقتصادي الذي لا يجب أن ينسينا عمق الأزمة وتعدد أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن الجسم المريض تكثر أوجاعه بلا شك، ولذلك لا أجد أي تعارض بين الثقافي والاقتصادي والسياسي. أليس لكل اقتصاد ثقافة، ولكل سياسة منطلقاتها الفكرية؟ أليست المشكلة أننا حاولنا جاهدين - من خلال العديد من النماذج التنموية المنقولة حرفيًّا - إقامة نمط اقتصادي اجتماعي قد يتعارض في بعض جوانبه وفي بعض أهدافه وطبيعته وأسس الثقافة الوطنية والقومية، وهو ما تسبب في صراع بين الوارد والداخل الذي تم في الغالب الحط منه بدلًا من الارتقاء به، يحدث ذلك في الثقافة وفي الاقتصاد وفي المعمار وفي الصناعة وفي المأكل والمشرب. 
 لذلك فالشعارات الخالية من المحتوى (الوطني والقومي) إذا لم ترتكز على ثقافة أصلية ومتضمنة لعناصر التميز والقوة، فستبقى شعارات مهزوزة، وغير معبرة عن طموحات الناس في شموليتها، بل ستبقى غريبة عنهم ويبقون غرباء عنها بالرغم من جميع المظاهر الخارجية. ومن المحزن حقًّا أن نختزل طموحات شعوبنا بأكملها في الجانب المعيشي المادي فقط رمزًا وأملًا وثقافة وتطلعًا، فالشعوب كلما تقزمت اهتماماتها سهل تسطيحها، وكلما تعاظمت طموحاتها، كانت أقدر على البقاء والاستمرار والتحدي والبناء والإنجاز، والأمثلة من حولنا في العالم شاهدة على ذلك.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية