العدد 6052
السبت 10 مايو 2025
حُمّى “الفَرَدَانِيَة”!
السبت 10 مايو 2025

عُرف “مُختار” قرية صغيرة بأنانيته الضّارة، فقد كان يُوبِّخ سائليه متهمًا إياهم بالكسل والتراخي، وذات يوم طلبته ملائكة السماء أثناء غفوته، فسألهم عن السبب؟ فأجابوه: كما فعلتَ يُفعل بك، فلم تُشفق على سائل أو محتاج أو متألم! حتى عشت أيامك مُستعبدًا لذاتك ومتجاهلًا لمَنْ حولك. ثمّ تلقفته الشياطين وأدخلوه الجحيم، ليُفاجأ بمائدة طعام كبيرة وهو في حالة جوع شديد، فأخذ يجري مسرعًا نحوها، غير أنّها - أي الشياطين – لاحقته بسياطها النارية، فتوسلهم الرحمة دون جدوى! إلا أنّهم أعطوه فرصة الرجوع للأرض كي يُقدّم الكثير لسائليه. فأسرع بمركبته يملأها بما لذّ وطاب من الأطعمة والأشربة، وفي طريق عودته للجحيم مرة أخرى وجد فقيرًا جائعًا، طلب منه صدقة، فأجابه: ليس لديّ وقت للعطاء، إنّي أحمل ما لديّ إلى الجحيم حتى أجد ما آكله هناك! إلا أنّ الفقير ألحّ عليه، فرماه بكعكة محروقة! وعند وصوله الجحيم، أحسّ بالجوع ولم يُسمح له بالأكل، وبالكاد وجد الكعكة المحروقة!

يبقى واقع “المُختار” وأشباهه الآخرين في تمركزهم حول ذّواتهم - أو أنانيتهم - من الأمراض التي استشرت بصفاتها الذميمة في وقتنا الحاضر، والتي غالبًا ما تُصيب النفس البشرية وتميل بصاحبها إلى تغليب ميوله ودوافع استئثاره بالأشياء والمنافع والمصالح والمكانة دون الآخرين؛ لعلّة قد تعود إلى القدوة السيئة أو القسوة المفرطة أو التعرّض للحرمان وتأصيل الانتقام وطغيان العداء أو التدليل المُبالغ والنزوع الدنيوي مقابل الغياب الديني (المفرط) وسط أجواء يسودها التعصب لآرائه الفردية.

أو يتغلب عليه بأفكار جماعته التي ينتمي إليها حيث يطغى عليه الظهور “الفقاعي” والغرور “العظمائي” والطمع “الجشعي” حين ترتفع (الأنا) في سياق تجاهل نفسي فضيع وإهمال أسري مدّمر.

 

نافلة:

من الوقائع المتكررة، ما تعجّ به مواقع الاستشارات النفسية والعلاجية بالتعليقات والشكاوى التي تبحث عن أنجع الحلول لمعاناة ذوي الشأن مع ذويهم بسبب أنانيتهم التي يُولدون معها – وهو إحساس عادي بطبيعة الحال - وحتى السنة الثانية من أعمارهم وسط أجواء من حالات “الخوف المرضي” أثناء تعاملهم مع الآخرين وخوفهم من الإخفاق والفشل أو التغيير والتحول أو الرفض والممانعة، وصولًا إلى تبنّي هذا السلوك في نهاية المراحل، الأمر الذي يستوجب البدء مبكرًا بإجراءات العلاج والوقاية من خلال غرس روح التشارك وتنمية الثقة بالنفس وبعث المهارات الراقية بجرعات من “الذكاء العاطفي” والتعبير عن مشاعر الحبّ المتبادل والتغذية الجماعية به حتى يستشعروا “اللحظة الفارقة” بانتمائهم للمجتمع والمجموع.

 

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .