عرّفَ الزعيم الهندي مهاتما غاندي الفقر بأنه “أسوأ شكل من أشكال العنف”، والحقيقة أن مثل هذا التعريف يتطابق مع ما يُسمى بالعنف البنيوي الذي صاغ مفهومه عالم الاجتماع النرويجي يوهان جالتونج، بأنه “الإيذاء الذي يمارسه المجتمع عبر غياب العدالة الاجتماعية”. هذا العنف البنيوي (والفقر جزء كبير منه) يتسبّب حاليا في وفاة الملايين من الناس عبر العالم، بسبب الجوع والمرض وسوء التغذية وفقدان المأوى والأمل.. وضحاياه يفوق عددهم ضحايا العنف السلوكي، وربما يفوق حتى أعداد ضحايا بعض الحروب الدموية.
ومع فظاعة هذا العنف المسكوت عنه، لا نجد من يدينه إلا قليلا، بل نجد من يجمله، على حد قول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “سيقنعونك بأن الفقر ليس عيبا، وأن الله يحب الفقراء أكثر، وأن القناعة كنز لا يفنى..، وسيجعلك ذلك تستمتع بفقرك، تستلذ بحاجتك، وترضى بعوزك”، ولن يحدثك، على الأرجح، أحد إلا فيما ندر، عن الفقر كسبب للهوان والذلة. ومن المؤكد أن هذا العنف (الفقر) ليس ظاهرة جديدة ولدتها العولمة، مثلما يزعم البعض، إنما يعود إلى العهود القديمة ويستمر ما بقي الإنسان، مسجلا ألوان العوز حتى داخل بعض الدول المتقدمة التي اعتادت على التفاوت الاجتماعي القائم على التمييز المهين والإفقار المنظم والتهميش لقطاعات واسعة من الناس.
ويبقى السؤال: هل الفقر حتمية اجتماعية لا فكاك منها؟ أم هو ناجم عن خلل اجتماعي – اقتصادي، يمكن السيطرة عليه من خلال البرامج والخطط التنموية إذا ما توافرت الإرادة؟.
التقرير العربي الثاني حول الفقر متعدد الأبعاد - الصادر في العام 2023، قدم تحليلاً لنطاق الفقر متعدد الأبعاد في البلدان العربية، وكشف أن 11 بلدًا عربيًا مصنفا كدول فقيرة تماما، وحتى السكان المصنفون غير فقراء، معرضون بدورهم للوقوع في الفقر، بسبب الهشاشة الاجتماعية والحرمان وسوء البنية التحتية وندرة الموارد وتفشي الفساد.
ومن المؤكد أن القضاء على هذا (الفقر) يستوجب الحد من النتائج الأكثر تدميرا للإنسان، والأكثر إذلالا لإنسانيته. ويكفي إظهار إرادة حقيقية حتى يتم الحد من هذا (العنف) الذي لا يمكن أن يكون حتمية اجتماعية بالضرورة.
كاتب وإعلامي بحريني