الإعلان عن إمكانية وقف إطلاق النار بين الروس والأوكرانيين، بدا للوهلة الأولى غير متوقع، بالنظر إلى ارتفاع السقف المعلن سابقًا للشروط الغربية الأوكرانية مقابل هذه الخطوة، وأهمها: (الخروج من الأراضي الأوكرانية ودفع تعويضات عن الخسائر ووضع ترتيبات أمنية غربية دائمة لحماية أوكرانيا...)، وإذا بهذا السقف ينخفض فجأة، من خلال سعي الإدارة الأميركية الجديدة إلى تجميد الصراع مؤقتًا في وضع تكاد فيه روسيا تحقق انتصارًا كاسحًا في الميدان. ولفهم حقيقة هذه المفارقة لابد من مراجعة الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الغرب الجماعي خلال السنوات الثلاث من هذه الحرب، وكانت وراء الكارثة التي حلت بأوكرانيا، ووراء الخفض السريع لسقف التوقعات اليوم.
الأول: سياسة التضليل الإعلامي من خلال سرديات وادعاءات بأن أوكرانيا كانت تفوز بالحرب، وأن روسيا على وشك الانهيار عسكريًّا واقتصاديًّا، وأن مجرد إدخال أسلحة حديثة سيحسم المعركة لصالح أوكرانيا. وكان كل ذلك غير صحيح، بل ومضلل. الثاني: قطع التواصل الدبلوماسي مع الخصم وقت الحرب بغلق السفارات ورفض أي شكل من الحوار. فخلال ثلاث سنوات غابت الدبلوماسية بشكل مدهش وغير مسبوق. وهو خلل غير معقول، منذ رفض الغرب الجماعي الاتفاق الذي تم إنجازه في إسطنبول في أبريل 2022م، والذي كان يمكن أن ينهي هذه الحرب قبل توسعها، بل ودفع الغرب بأوكرانيا إلى طريق الكارثة، عندما أصدر الرئيس الأوكراني مرسومًا يمنع التفاوض مع الرئيس الروسي. وهو أغرب إجراء يمكن أن يتخذ في أي وقت من الأوقات.
الثالث: لجوء الغرب في حربه مع روسيا إلى قمع الحريات، ما دفع نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس إلى تشبيه زعماء أوروبا الحاليين، بـ “الحكام المستبدين الذين قادوا الأنظمة القمعية خلال الحرب الباردة.. خصوصًا عندما يرى المحاكم الأوروبية تلغي الانتخابات، وكبار المسؤولين يهددون بإلغاء انتخابات أخرى”.
وفي ضوء تحولات الحرب وضغوط الإدارة الأميركية الجديدة لإنهائها سريعًا، فإن الواقعية السياسية تستدعي أن تبدأ أوروبا بالمراجعة بدلًا من الإنكار والتفاوض مع روسيا لإنهاء هذه الحرب المدمرة، والاتفاق على هيكل أمني جديد مشترك يحقق مصالح الجميع بشكل نهائي ومنصف، بما في ذلك أوكرانيا وروسيا.
كاتب وإعلامي بحريني