العدد 5998
الإثنين 17 مارس 2025
المثقف بين الوقائع والوقيعة!
الإثنين 17 مارس 2025

 هناك نوع من المواقف والكتابات تصدر عن أناس يفترض بهم العلم والحصافة والقدرة على بناء الرأي على المعلومات الصحيحة الموثوقة، إلا أننا نجد بين بعض هؤلاء من يخبط خبطًا عشوائيًّا معتمدًا على “طراطيش الكلام” أو على نزعات انتقائية وذاتية تقوده، وهذا منزع سيء، فضلًا عن كونه غير أخلاقي. وللأسف حتى بعض المواقف التي قد تبنى على الوقائع بشكل “وقيعي”، بنية الإيقاع بالآخرين، من خلال تحريف الوقائع لغايات شخصية أو بدوافع عصبية، وهذا أيضًا عمل لا أخلاقي، خصوصًا إذا كان مبنيًّا على نية الاستخفاف بعقول الناس. فكم تقاتلت قبائل وشعوب وأمم، بسبب الاختلاف في تأويل تاريخها الموهوب أصلًا للزيف، مع أن تزييف التاريخ ليس مكسبًا تهفو إليه العقول الحصيفة، ولكنه أيضًا ليس بدعة مستحدثة، بل هو حرفة دأبت البشرية على تناقلها وتوارثها جيلًا بعد جيل، مثلما توارثت وتناقلت الكذب والنهش والتزييف والاقتتال من أجل الشهوة أو المال أو السلطان.
وأقسى ما في هذا الأمر في هذه الحالة، هو انخراط المثقف في طابور الدجل والترويج للترهات والأوهام، باسم الرأي أحيانًا، وباسم الدين أو الطائفة أو الحزب أحيانًا أخرى، ولكن باسم الأنانية والمصالح الذاتية في أغلب الأحيان! صحيح أن الاختلاف والاختصام شأن إنساني لا فكاك منه، وأنه من أمراض البشر الجينية، والتي من دونها قد لا يكون البشري ناقصَ البشرية، ولكن هذه الصراعات مهما كان نوعها، يفترض - في حالة المثقف - أن يحكمها مبدأ “الحق في الاختلاف”، والوصول إلى الحقيقة.
بحيث لا يكون الخلاف - مهما كان نوعه - عائقًا أمام فوز الإنسان بحقوق كثيرة لا معنى للحياة الكريمة من دونها، مثل حفظ الكرامة والحرية والصدق. ومع التأكيد بأن حق الاختلاف وحده - مثلما يفعل البعض - دون تحديد ماهيته وأفقه وأدواته، يدفعنا إلى الشكّ في سلامة أهداف بعض المنتسبين للحقل الثقافي الذين يفترض بهم أن يكونوا على قدر كبير من الوعي والفهم والقدرة على التمييز بين الخرافات والحقائق، خبراء وقادرين على رد الأمور إلى مصادرها وتسميتها بأسمائها، ويمتلكون القوة والشجاعة في مواجهة الجهل والدجل، والقدرة على الإنصاف في مواجهة آلة الكذب والتزييف والنوازع الغريزية البدائية.


كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية