العدد 6005
الإثنين 24 مارس 2025
اللاعقلانية في السياسة الأوروبية!
الإثنين 24 مارس 2025

 التنازع الغريب والمفارق لمنطق التاريخ والعقل، بين حرص الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على وقف الحرب في أوكرانيا، وإصرار الأوروبيين – باستثناء المجر وسلوفاكيا - على مواصلتها ومواصلة استخدام ذات السرديات المضللة لتبرير استمرار الحرب وزيادة الإنفاق على إعادة تسليح أوروبا. بما يعني الاستعداد لجولة جديدة من الحروب مثل التي عاشتها القارة الأوروبية ما بين 1914 و1945م. وإن هذه الهستيريا تنم عن التخلي عن السياسات العقلانية التي عرفت بها أوروبا دائمًا. فجميع السرديات المستند إليها لا يؤيدها الواقع، وهذا ما اكتشفه الأميركان وقلة من الأوروبيين مؤخرًا:
الأولى: التخويف من القوة العسكرية الروسية التقليدية. وتبين مقارنة هذه القوة بالقوى المسلحة العالمية أنها الأقل أهمية، فقد بلغ إنفاق الولايات المتحدة الأميركية العسكرية 39 % من الإنفاق العالمي، والصين 13 %، والاتحاد الأوروبي حوالي 9 %، وروسيا حوالي 3.9 %. (وفقا لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام - 2024م). والأرقام هنا لا تحتاج إلى مزيد من التفصيل.
الثانية: تخويف الناس من احتمالات الغزو الروسي لأوروبا بعد الانتهاء من أوكرانيا. وفي الحقيقة لا وجود لمثل هذا التهديد عمليًّا حتى وفقًا لتقارير المخابرات الأميركية نفسها. فروسيا خلال 3 سنوات من الحرب لم تتمكن حتى من استكمال السيطرة على إقليم الدونباس، فما بالك باحتلال أوكرانيا أو تهديد الدول الأوروبية، فالأمر هنا غير واقعي تمامًا حتى على صعيد الاحتمالات. 

الثالثة: التقليل من شأن القوة الروسية - وهو أمر يتناقض مع النقطتين الأولى والثانية - بالحديث عن إمكانية الانتصار على روسيا بمجرد تعزيز الدعم وتوفير الأسلحة المتطورة. وقد بينت الوقائع على الأرض صعوبة ذلك، حتى مع اشتراك الغرب الجماعي كله في هذه الحرب كما هو حاصل.
إن معركة السرديات تسقط أمام الواقع، ووسائل الإعلام الغربية أسهمت بشكل معيب في التضليل حول حقيقة هذه الحرب، لم تفض إلى أية انتصارات على الأرض. واليوم يتجاوز الوفاق الأميركي الروسي هذه المعركة، بالاتفاق حول إيقاف هذا الحرب تمهيدًا للوصول إلى حل سلمي لم يتبن شكله النهائي إلى حد الآن. ولكن محصلته المؤكدة إخراج أوروبا من دائرة القرار والتأثير.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .