العدد 6004
الأحد 23 مارس 2025
الجنوب العالمي بحاجة إلى ثورته الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي
الأحد 23 مارس 2025

تاريخيًا، تمتع الشمال العالمي بثمار الثورات الصناعية والرقمية، في حين تُرك الجنوب العالمي وراءه ليؤدي دور “المطبخ” الذي يزود العمالة الرخيصة والموارد. وقد أدى ذلك إلى حدوث فجوة تكنولوجية واسعة بين هاتين الكتلتين، وهو ما يظهر بوضوح في عالم الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن.
تتركز شركات الذكاء الاصطناعي في الشمال العالمي، وهذا هو عامل رئيسي في استدامة هذه الفجوة، حيث تستثمر هذه الشركات مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي، ما يتيح لها الاستفادة من مزايا الريادة في المجال. ولديها القدرة على جذب أفضل المواهب، وتأمين مجموعات بيانات ضخمة، واحتكار أحدث التقنيات لبناء نماذجها للذكاء الاصطناعي. وبالتالي، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي يميل لصالح الشمال العالمي.
لتصحيح هذه المعضلة، من الضروري دمقرطة الذكاء الاصطناعي. فالجنوب العالمي يحتاج إلى ثورة خاصة به في هذا المجال. وقد يشكل مفهوم النماذج المفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي حلًا، حيث يتيح لهذه التكنولوجيا الحيوية أن تكون في متناول عدد أكبر من الأفراد. ومن شأن ذلك أن يساهم في تقليص الفجوة، حيث ستتمكن الدول في تلك المنطقة من الحصول على فرصة أفضل للمشاركة في الاقتصاد الجديد للذكاء الاصطناعي.
مع ذلك، فإن تجاوز هذه الفجوة لا يخلو من التعقيدات. فالبنية التحتية غير الكافية، والتعليم ذو الجودة المنخفضة، ونقص التمويل في البحث والتطوير هي بعض القيود العديدة التي يواجهها الجنوب العالمي. وبصفتي رئيسًا سابقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNGAID) ومؤسسًا للعديد من المعاهد التعليمية والتدريبية، أرى أن هذه التحديات يمكن معالجتها من خلال الاستثمار في التعليم، بما في ذلك جعل تعلم البرمجة وفهم الذكاء الاصطناعي أمرًا إلزاميًا لتحفيز العقول الشابة. يحتاج هذا الجيل إلى قاعدة قوية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، تمامًا كما تفعل الصين، لتزويد الشباب بالأسس اللازمة لبناء مستقبل قوي في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن وجود بنية تحتية رقمية قوية وفعّالة لدعم الابتكار في الذكاء الاصطناعي يعد أمرًا بالغ الأهمية. ويتطلب ذلك تحسين الوصول إلى الإنترنت، وبناء مراكز بيانات متطورة، ودعم تطوير المراكز التقنية المحلية والوطنية في هذه الدول. كما أن وضع إطار سياسات للذكاء الاصطناعي يدعم الابتكار، ويعزز سيادة البيانات، ويشجع الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، يمثل أهمية كبيرة أيضًا، بما في ذلك تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص لخلق بيئة ملائمة لنمو الذكاء الاصطناعي.
يجب ألا يُسمح بتوسيع هذه الفجوة الرقمية الجديدة، والتي لا يمكن سدها دون دعم المجتمع العالمي، الذي يشمل المنظمات والشركات التقنية والدول المتقدمة التي تساهم في تطوير الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي من خلال توفير الموارد والتمويل والخبرات. يتطلب ذلك تحفيز الابتكار على المستوى الشعبي، وتعزيز المشاريع المجتمعية، ودعم الشركات الناشئة المبتكرة، بهدف تطوير حلول تلامس القضايا المحلية وتعزز ثقافة الابتكار.
لذلك فمن من الضروري تمكين الجنوب العالمي من المساهمة في تشكيل نظام تكنولوجي عادل للذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي. إن الشباب في هذه الدول هم من جيل العصر الرقمي، ويمكنهم أن يكونوا قوة محورية في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي، ما يجعل الجنوب العالمي مشاركًا فاعلًا في هذا العالم الجديد المدفوع بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية