يهل علينا شهر رمضان المبارك كل عام والبلاد والعباد يشمرون عن سواعدهم، رافعين شعارات “هل هلالك يا رمضان”، و “رمضان كريم”، مستقبلين الأيام المباركة بالخشوع والدعاء بأن يعيد الله الشهر الفضيل على أمة المسلمين بالخير والبركة، والصلاح والسلام. ومن دواعي الفرح والسرور أننا نقول مع كل شهر مبارك، إن رمضان هذه السنة غير، أيامه سعيدة، مجالسه المديدة القريبة والبعيدة أيضا سعيدة، لياليه وأيامه، سهراته ومناسكه، صومه وقيامه، جميعها سعيدة، سعيدة.
رمضان هذه السنة أيضا غير؛ لأنه جاء والأجواء كلها مهيأة لاستقباله، الشتاء وأمطار السماء، التي هي أمطار خير وبركة، كلها تحفز على التزاور والتراحم، ووصل المتقطع من ود، وتجديد المنسي من وعد، وقراءة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم كل ليلة، وزيارة المجالس الرمضانية بقدر الإمكان لمد خيوط المحبة مع الأهل والأصدقاء، إنها عادات وتقاليد محمودة، ومناسك وثقافات موجودة، نشأنا عليها منذ طفولتنا، واستمتعنا بممارستها مع الأهل والأصدقاء والأحبة، هو شهر عظيم كتب فيه الأدباء والشعراء ما لذ وطاب من المواويل والقصائد الخالدة، أتذكر من بين ما يحضرني قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق زياد في قصيدته الشهيرة “رمضان كريم“، حيث كان مرتبطا بالمناسك المؤثرة في مصر العربية، بعادات الشعب العريق التي تتشابه وتلتقي مع عاداتنا وعادات الشعوب العربية والإسلامية، الأصوات التي تؤذن للصلاة، وتلك التي تهبط علينا بالتواشيح الدينية والقراءات القرآنية، والأخرى التي تأتي إلينا من السماء لتعبر عن صفو الحياة ونقاء سرائرنا في هذا الشهر الفضيل، فرأت وشاهدت الهلال وهو ينطلق في السماء مرحبا بنا ومرحبين به ومهللين له، “أهلا رمضان“.
في البحرين الغالية نتبادل كل ما هو جميل، المجالس، الزيارات، الأكلات، المجاملات المحمودة، والدعوات الصالحات، رمضان كريم جدا في بحريننا الغالية، حواراتنا مع بعضنا البعض، أعمالنا التي يبارك الله لنا فيها؛ لأننا نراعيه سبحانه فيها، ونحترم قدسية العمل في هذا الشهر العظيم.
ما يؤلمنا جميعا أهلنا في غزة، كيف يعيشون تحت وطأة وغطرسة الاحتلال، كيف يقضون أوقاتهم وهلال الشهر الفضيل لديهم قد تحول إلى هلال الخوف، الظلام الدامس ومنع المساعدات عن القطاع المكلوم، استهداف العدو للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة التي لا تفرق بين مدني وعسكري، بين بيت ومعسكر حربي، بين طفل في بطن أمه وأم فقدت كل أبنائها في غارة إسرائيلية وحشية، كثيرا ما أسأل نفسي كيف نعيش سعداء وأشقاؤنا في الأراضي العربية المحتلة يعانون الأمرين من ضنك العيش، وضغوط الحياة، وضيق اليد، وصعوبة الحصول على ما يسد الرمق وينقذ الشعب المسلم من الحصار المرير؟
بين عيشنا السعيد وأمنياتنا الطيبة يعيش شعب على دمعة تروي عطش الستين، وكسرة خبز في صندوق قمامة ظلت وحيدة من ليلة الأمس الرهيب، رمضان هذه السنة غير بأفراحه وأتراحه، بثوابته وجراحه، بخيرات أعمالنا وحسنات شهدائنا، كلها تضعنا أمام القبلة المباركة، ندعو المولى عز وجل، أن يخفف آلامنا وآلام المسلمين، أن يرحم شهداءنا ويشفي جرحانا، أن يعيد إلينا المفقود والموعود بالجنة والحياة الآخرة وكل حياة.